للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: ووجب بعد ذلك أن نكشف وجه هذا الباب لنعلم كيف حكمه من طريق النظر، فكان الأصل في ذلك أن الإِمام إذا قال في حال القتال: "من قتل قتيلاً فله سلبه" أن ذلك جائز، ولو قال: "من قتل قتيلاً فله كذا وكذا درهمًا" كان ذلك جائز أيضًا, ولو قال: "من قتل قتيلاً فله عُشْر ما أصبنا" لم يجز ذلك؛ لأن هذا لو جاز جاز أن تكون الغنيمة كلها للمقاتلين فيبطل حق الله -عز وجل- فيها من الخُمس، فكان النفل لا يكون قبل القتال إلا فيما أصابه المُنَفَّل بسيفه، ولا يجوز فيما أصاب غيره إلا أن يكون حكمه حكم الإجارة فيجوز ذلك كما تجوز الإجارة، كقوله: من قتل قتيلاً فله عشرة دراهم، فذلك جائز.

فلما كان ما ذكرنا كذلك ولم يجز النفل إلا فيما أصاب المُنَفَّل بسيفه أو فيما جُعل له بعمله، ولم يجز أن يُنَفَّل مما أصاب غيره؛ كان النظر على ذلك أيضًا أن يكون بعد إحراز الغنيمة أحرى أن لا يجوز أن ينفل مما أصاب غيره.

ففسد بذلك قول من أجاز النفل بعد إحراز الغنيمة، ورجعنا إلى حكم ما أصابه هو، فكان ذلك قبل أن يُنَفِّله الإِمام إياه قد وجب حق الله -عز وجل- في خُمسه، وحق المقاتلة في أربعة أخماسه، فلو أجزنا النفل إذًا لكان حقهم قد بطل بعد وجوبه، وإنما يجوز النفل فيما يدخل في ملك المُنَفَّل من ملك العدو، فأما ما قد زال عن ملك العدو وصار في ملك المسلمين، فلا نفل في ذلك؛ لأنه من مال المسلمين، فثبت بذلك أن لا نفل بعد إحراز الغنيمة على ما قد فصَّلنا في هذا الباب وبيَّنا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: أي وجب بعد بيان المذاهب بالأحاديث والآثار؛ أن نكشف وجه هذا الباب، أي باب النفل لنعلم حكمه من طريق النظر والقياس، وشرَع يُبيِّن ذلك بقوله: "فكان الأصل في ذلك. . . " إلى آخره، وهذا ظاهرٌ لا يحتاج إلى زيادة بيان.

قوله: "إلا فيما أصابه المنفَّل" بفتح الفاء المشددة، وهو الرجل الذي عين له النفل.

قوله: "فثبت بذلك" نتيجة القياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>