أنا سعيد بن أبي عروبة، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- مثل حديث أحمد بن داود، وزاد:"أنه كان تزوجهن في الجاهلية".
فكان تزويج غيلان للنسوة اللائي كن عنده حين أسلم في وقت كان تزويج ذلك العدد جائزًا والنكاح عليه ثابت، ولم يكن للواحدة حينئذٍ من ثبوت النكاح إلا ما للعاشرة مثله، ثم أحدث الله -عز وجل- حكمًا آخر وهو تحريم ما فوق الأربع، فكان ذلك حكمًا طارئًا طرأت به حرمة حادثة على نكاح غيلان، فأمره النبي -عليه السلام- لذلك أن يمسك من النساء العدد الذي أباحه الله -عز وجل- ويفارق ما سوى ذلك، وجُعل كرجل له أربعة نسوة فطلَّق منهن واحدة، فحكمه أن يختار واحدة منهن فيجعل ذلك الطلاق عليها ويمسك الآخر، وكذلك كان أبو حنيفة وأبو يوسف يقولان في هذا.
فأما من تزوج عشر نسوة بعد تحريم الله -عز وجل- ما جاوز الأربع في عقدة واحدة فإنما عقد النكاح عليهن عقدًا فاسدًا، فلا يثبت له بذلك نكاح، ألا ترى أنه لو تزوج ذات رحم محرم منه في دار الحرب وهو مشرك ثم أسلم؛ أنهما لا تقر عنده، وإن كان عقده لذلك كان في دار الحرب وهو مشرك؟ فلما كان هذا يرد حكمه فيه إلى حكم نكاحات المسلمين فيما يعتقدون في دار الإِسلام، كان كذلك أيضًا حكمه في العشر نسوة اللاتي تزوجهن وهو مشرك في دار الحرب، رد حكمه فيه إلى حكم المسلمين في نكاحاتهم؛ فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة فنكاحهن باطل، وان كان تزوجهن في عُقد متفرقة جاز نكاح الأربع الأُول منهن؛ وبطل النكاح لسائرهن.
ش: هذا جواب عن الحديث المذكور الذي احتج به أهل المقالة الأولى، بطريق التسليم، بيانه أن يقال: ولئن سلمنا أن هذا الحديث متصل الإسناد وصحيحه؛ على ما رواه عبد الأعلى السامي، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام-، ولكن لا نسلِّم أن يكون فيه حجة على أهل المقالة الثانية؛ لأن تزويج غيلان ذلك إنما كان في الجاهلية. . . إلى آخر ما ذكره الطحاوي، وهو ظاهر.