للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: وكان من الحجة لهم في ذلك على من ذهب إلى القول الأول: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- إنما في حديثه أن رسول الله -عليه السلام- ردها على أبي العاص على النكاح الأول، فليس في ذلك دليل على أنه ردها إليه لأنها في العدة، ولا نعلم كيف كان الحكم يومئذٍ في المشركة تسلم وزوجها مشرك، أيبينها ذلك منه، أو تكون زوجته على حالها؟ وإنما يكون حديث ابن عباس حجة لأهل المقالة الأولى لو كان فيه أن رسول الله -عليه السلام- ردَّها على أبي العاص؛ لأنه أدركها وهي في العدة، فأما إذا لم تتبين لنا العلة التي لها ردها عليه؛ فقد يجوز أن تكون هي العدة، وقد يجوز أن تكون غيرها؛ لأن الإِسلام لم يكن حينئذ يبينها منه ولا يزيلها عن حكمها المتقدم.

ولقد حدثني أبو بكر بن عبدة، قال: حدثني أبو توبة الربيع بن نافع، قال: قلت لمحمد بن الحسن: من أين جاء اختلافهم في زينب؟ فقال بعضهم: ردَّها رسول الله -عليه السلام- على أبي العاص على النكاح الأول، وقال بعضهم: ردَّها بنكاح جديد؟ أترى كل واحد منهم سمع من النبي -عليه السلام- ما قال؟ فقال محمد بن الحسن: لم يجئ اختلافهم من هذا الوجه، وإنما جاء اختلافهم أن الله -عز وجل- إنما حرم أن ترجع المؤمنات إلى الكفار في سورة الممتحنة بعدما كان ذلك حلالاً جائزًا، فعلم ذلك عبد الله بن عمرو، ثم رأى رسول الله -عليه السلام- قد ردَّ زينب على أبي العاص بعدما كان علم حرمتها عليه بتحريم الله -عز وجل- المؤمنات على الكفار؛ فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد، فقال: ردَّها عليه رسول الله -عليه السلام- بنكاح جديد، ولم يعلم عبد الله بن عباس بتحريم الله المؤمنات على الكفار حتى علم برد النبي -عليه السلام- زينب على أبي العاص، فقال: ردَّها عليه بالنكاح الأول؛ لأنه لم يكن عنده بين إسلامه وإسلامها فسخ للنكاح الذي كان بينهما.

قال محمد -رحمه الله-: فمن هنا جاء اختلافهم لا من اختلاف سمعوه من النبي -عليه السلام- في ذكره ما ردَّ زينب به على أبي العاص: أنه النكاح الأول، أو نكاح جديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>