وقال الجصاص -رحمه الله-: اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير وعلى استبقائه، واختلفوا في فدائه؛ فقال أصحابنا جميعًا: لا يفادى الأسير بالمال ولا يباع السبي من أهل الحرب.
وقال أبو حنيفة: لا يفادى بأسرى المسلمين ولا يردون حربًا أبدًا.
وقال أبو يوسف ومحمد: لا بأس أن يفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين -وهو قول الثوري والأوزاعي- ولا بأس ببيع السبي من أهل الحرب، ولا يباع الرجال إلا أن يفادى بهم المسلمون.
وقال المزني عن الشافعي: للإِمام أن يَمُنّ على الرجال الذين ظهر عليهم أو يفادى بهم المسلمون.
ص: وكره آخرون أن يفادى بمن وقع ملك المسلمين عليه؛ لأنه قد صارت له ذمة بملك المسلمين إياه، فمكروه أن يرد حربيًّا بعد أن كان ذمةً، وقالوا: إنما كان هذا الفداء المذكور في هذه الآثار في وقت كان لا بأس أن يفادى فيه بمن أسلم من أهل الحرب فَيُرَدُّوا إلى المشركين على أن يَرُدُّوا إلى المسلمين من أسروا منهم كما صالح رسول الله -عليه السلام- أهل مكة شرَّفها الله على أن يرد إليهم مَنْ جاء إليه منهم وإن كان مسلمًا.
ش: أي: كره قوم آخرون، وهم: الليث بن سعد والحكم بن عتيبة ومجاهد وأبو حنيفة -رحمهم الله- أن يفادى بمن وقع عليه ملك المسلمين؛ لأنهم صاروا ذوي ذمة بملك المسلمين إياهم، فيكره بعد ذلك أن يعادوا حربيين بعد أن كانوا ذوي ذمة.
قوله:"وقالوا" أي هؤلاء الآخرون. . . إلى آخره، وهو جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى عن الأحاديث المذكورة.
وحاصله: أن الفداء المذكور في حديث سلمة بن الأكوع وعمران بن الحصين وأبي سعيد -رضي الله عنهما- إنما كان في وقت كان يجوز رد من جاء مسلمًا من المشركين إليهم، كما جاء ذلك مفسرًا في حديث عمران بن الحصين.