فأخبراه أنهم قد عسكروا بذي طوى، وحلفوا أن لا يدخلها عليهم عنوة أبدًا، وكان رسول الله -عليه السلام- قصد مكة زائرًا للبيت ومعظمًا له ولم يقصد لقتال قريش، فلما اجتمعوا لصده عن البيت بعث إليهم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يخبرهم أن رسول الله -عليه السلام- لم يأت لحرب وإنما جاء زائرًا للبيت ومعظمًا له، فخرج عثمان -رضي الله عنه- حتى أتى مكة فأخبرهم بذلك فقالوا له: إن شئت أنت [أن](١) تطوف بالبيت فطف وأما محمد فلا في عامه هذا فقال عثمان: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله -عليه السلام-، واحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله -عليه السلام- أن عثمان قتل، فقال رسول الله -عليه السلام- حين بلغه ذلك: لا نبرح حتى نناجذ القوم. ودعا رسول الله -عليه السلام- إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة فكان الناس يقولون: بايعهم على الموت، وكان جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يقول: لم يبايعنا على الموت، وإنما بايعنا على أن لا نَفِرُّ، ثم أتى رسول الله -عليه السلام- أن الذي قيل من أمر عثمان -رضي الله عنه- وذكر من قتله باطل، ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو العامري إلى الرسول -عليه السلام-، فصالحه عنهم، على أن يرجع عامه ذلك ولا يدخل مكة عليهم وأنه إذا كان عام قابل خرجت قريش عن مكة فيدخلها رسول الله -عليه السلام- وأصحابه وأقاموا بها ثلاثًا. . . إلى سائر ما قاضوه وصالحوه عليه مما ذكره أهل السير فسمي عام القضية وهو عام الحديبية، فلما فرغ رسول الله -عليه السلام- من الصلح قام إلى هديه فنحره وحل من إحرامه وأمر أصحابه أن يحلوا وينحروا ونحر وحلقوا رؤوسهم وقصر بعضهم فدعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين واحدة وحلوا من كل شيء، وكان رسول الله -عليه السلام- قد أحرم يومئذ بعمرة ليأمن الناس حربه، وليعلموا أنه خرج زائرًا للبيت ومعظمًا له، واختلف في موضع نحره -عليه السلام- لهديه، فقال قوم: نحر في الحل، وقال آخرون: بل نحر في الحرم، وقد مر الكلام فيه مستقصى في كتاب الحج.
(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "عمدة القاري" (١٢/ ١٤٨).