وقال الخطابي: رأى مالك والشافعي حديث أم سلمة على الندب لا الوجوب.
وقال أبو عمر بن عبد البر: ومما يدل على ضعف حديث أم سلمة ووهنه: أن مالكًا روى عن عمارة بن عبد الله عن سعيد بن المسيب قال: "لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة". فترك سعيد لاستعمال هذا الحديث وهو راويه، دليل على أنه غير ثابت عنده ومنسوخ وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي فما دونه أحرى أن يكون مباحًا.
ص: وأما النظر في ذلك: فإنا رأينا الإِحرام يحظر أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالاً، منها الجماع والقبلة وقص الأظفار وحلق الشعر وقتل الصيد فكل هذه الأشياء تحرم بالإِحرام وأحكام ذلك أحكام مختلفة، فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه فسد إحرامه وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإِحرام، فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإِحرام ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع وهو أغلظ ما يحرم بالإِحرام؛ كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك فهذا هو النظر أيضًا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: أي وأما وجه النظر والقياس في حكم هذا الباب. . . إلى آخره، وهو ظاهر.
قوله:"يحظر" أي يحرم، يقال: حظرت الشيء أي حرمته وهو من باب نَصَرَ يَنْصُرُ والحظر: المنع والحجر، وقد روي عن عكرمة وجه هذا النظر والقياس حيث قال لما ذكر له حديث أم سلمة:"هلا اجتنب النساء والطيب" ثم إن ابن حزم قد اعترض على هذا القياس بكلام فاسد فقال (١): ليس إذا وجب أن لا يمس الشعر والظفر بالنص الوارد في ذلك، أن يجب اجتناب النساء والطيب كما أنه إذا وجب اجتناب الجماع والطيب لم يجب بذلك اجتناب مس الشعر والظفر وهذا الصائم فرض عليه اجتناب النساء ولا يلزمه اجتناب الطيب ولا مس الشعر والظفر