قلت: لا يمكن ذلك؛ لأنه يلزم منه إثبات النسخ مرتين: نسخ الإباحة الثابتة في الابتداء بالنص الموجب للحظر، ثم نسخ الحظر بالنص الموجب للإباحة، فإذا جعلنا نص الحظر متأخرًا احتجنا إلى إثبات النسخ في أحدهما خاصة، فكان هذا الجانب أولى، ولأنه قد ثبت بالاتفاق نسخ حكم الإباحة بالحظر، فأما نسخ حكم الحظر بالإباحة محتمل، وبالاحتمال لا يثبت النسخ، ولأن النص الموجب للحظر فيه زيادة حكم، وهو نيل الثواب بالانتهاء، واستحقاق العقاب بالإقدام عليه، وذلك ينعدم في النص الموجب للإباحة، فكان تمام الاحتياط في إثبات التاريخ بينهما على أن يكون الموجب للحظر متأخرًا والأخذ بالاحتياط أصل في الشرع.
ص: فمما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحريم كل ذي ناب من السباع ما حدثنا ربيع المؤذن ونصر بن مرزوق، قالا: ثنا أسد قال: ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال:"نهى رسول -عليه السلام- عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير".
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال:"نهى رسول الله -عليه السلام- عن كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير".
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر. . . فذكر بإسناده مثله، وقال:"نهى رسول الله -عليه السلام-. . .".
حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي، قال: ثنا علي بن الحسن بن شقيق، قال: ثنا أبو عوانة. . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الرحمن بن المبارك، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن علي بن الحكم، عن ميمون بن مهران، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -عليه السلام- مثله.