وأجاب بعض أصحابنا في هذا الموضع فقال: حديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع صحيح مشهور، ثابت مروي من عدة طرق، فلا يعارض به حديث "الضبع صيد" لأنه انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار، وليس هو بمشهور بنقل العلم، ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه، كذا قال: صاحب "التمهيد".
فإن قيل: وقد روي أيضًا عن طريق عطاء، عن جابر كما ذكرنا.
قلت: فيه شخصان فيهما كلام، وهما حسان بن إبراهيم، عن إبراهيم بن ميمون الصائغ.
أما حسان فقد ذكره النسائي في "الضعفاء"، وقال: ليس بالقوي.
وأما الصائغ فقد ذكرنا الآن عن أبي حاتم ما قال فيه.
وقال الكاساني: حديث النهي عن كل ذي ناب من السباع مشهور مُحَرِّم، وحديث جابر في الضبع ليس بمشهور وهو مُحَلِّل، فالمحرِّم يقضي على المبيح؛ احتياطًا. انتهى.
وقد أثبت بعض أصحابنا فيه النسخ؛ فقال: حديث جابر منسوخ.
فإن قيل: كيف هذا النسخ؟ وما وجهه؟
قلت: قال شمس الأئمة بعد أن ذكر طرق التخلص عن التعارض بين الأحاديث: وأما طلب التخلص بدلالة التاريخ, وهو أن يكون أحد النصين موجبا للحظر، والآخر موجبًا للإباحة نحو ما روي أنه -عليه السلام- نهى عن أكل الضب، وروي أنه رخص فيه، وما روي أنه نهي عن أكل الضبع، وروي أنه رخص فيه، فإن التعارض بين النصين ثابت من حيث الظاهر، ثم ينتفي ذلك بالمصير إلى دلالة التاريخ، وهو أن النص الموجب للحظر لأنه يكون متأخرًا عن الموجب للإباحة، فكان الأخذ به أولى