قال القاضي: قوله: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" كذا للرواة، وللعذري: عاير بألف هذان الإسمان هما اللذان جاءا في الحديث الآخر: "من كذا إلى كذا" فإما أن يكون في ذلك الحديث لم يضبط الراوي الاسمين أو كنى عنهما؛ لإنكار مصعب الزبيري وغيره هاتين الكلمتين، وقال: ليس بالمدنية عَيْر ولا ثور، قالوا: وإنما ثور بمكة، وقال الزبير: عير جبل بناحية المدينة، وأكثر الرواة في كتاب البخاري ذكروا عَيرًا، وأما ثور فمنهم من كنى عنه بكذا، ومنهم من ترك مكانه بياضًا إذْ اعتقدوا الخطأ في ذكره.
قال الإِمام: قال بعض العلماء: ثور ها هنا وهم من الراوي؛ لأن ثور بمكة، والصحيح:"إلى أحد" قال القاضي: كذا قال أبو عبيد: كأن الحديث أصله: "من عير إلى أحد".
قلت:"العير" بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء، و"الثور" بفتح الثاء المثلثة وسكون الواو على اسم الثور الحيوان المعروف.
ويستفاد من هذا الحديث أحكام:
الأول: أن الدينة لها حرم كحرم مكة على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى. الثاني: فيه رد على الرافضة والشيعة فيما يدعونه من إيداع أسرار العلم والشريعة لآل البيت وتخصيصهم بما لم يطلع عليه سواهم، وتكذيب لهم وهو مراد علي -رضي الله عنه-.
الثالث: فيه أن عليًّا -رضي الله عنه- ممن كتب العلم قديمًا.
الرابع: فيه جواز كتابة العلم والحديث.
الخامس: فيه أن الخطيب إذا خطب وهو متقلد سيفه لا بأس به.
السادس: فيه استحباب الخطبة على موضعٍ عالٍ، وذلك لأنه أبلغ إلى التبليغ إلى سائر الناس.