للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندي جواب آخر مما فتح الله من الأنوار الإِلهية والفيض الرحماني، وهو أن النبي -عليه السلام- كان يحب أحدًا لكونه مقبرة لهارون -عليه السلام- كما ذكره السهيلي، أن هارون مدفون فيه، ومن العادة أن الناس يحبون البقع التي فيها قبور الأنبياء والصالحين، ولكونه أيضًا مقبرة لعمه سيد الشهداء حمزة -رضي الله عنه-، وعم الرجل صنو أبيه، ولبقية الشهداء المدفونين هناك من أصحابه -عليه السلام-، ومن العادة أيضًا أن الناس يحبون البقع والأراضي التي فيها قبور آبائهم وأقاربهم، ويؤثرون الترداد إليها لأجل اشتمالها عليهم.

وأما محبة أحد إياه فيحتمل وجهين:

الأول: أنه -عليه السلام- لما ذكر محبته إياه التي هي حقيقة، ذكر في مقابلها محبة أُحد التي هي مجاز، ازدواجًا للكلام ومجانسة للألفاظ، وهذا من فن بديع الكلام.

الثاني: أن تكون محبته للنبي -عليه السلام- حقيقة بأن جعل الله فيه معنى من الإِدراك يصير به موصوفًا بالمحبة ليجازي من يحبه محبة منه، لأن من جزاء المحب أن يحب؛ لتصير المحبة على وجه الكمال. فافهم.

قوله: "من لدن كذا إلى كذا" قد فسر ذلك في بعض الروايات باثني عشر ميلا، وفي بعضها بريدًا في بريد، وفي أكثر الروايات: "من لابة إلى لابة" لأن المدينة مشتملة على اللابتين، وقد فسرناها.

قوله "لا يعضد" أي لا يقطع، من العَضَد، وهو القطع.

قوله: "من أحدث فيها حدثا" أي أتى إثما، والحدث: الأمر الحادث الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة.

قوله: "فعليه لعنة الله. . ." إلى آخره وعيد شديد لمن فعل ذلك، ممن استحل حرمتها وأحدث فيها، وقد استدلوا لما جاءت به اللعنة أنه من الكبائر.

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول: "لو أني

<<  <  ج: ص:  >  >>