وحديث ابن عباس في أكله بحضرة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على تحليله، وهو الآخر الناسخ؛ لأن ابن عباس لم يجتمع بلا شك مع سيدنا رسول الله -عليه السلام- بالحديبية إلا بعد انقضاء الفتح وحنين والطائف، ولم يغز بعدها إلا تبوك، ولم تصبهم في تبوك مجاعة أصلاً.
فصح يقينًا أن خبر ابن حسنة كان قبل هذا بلا مرية؛ فارتفع الإشكال جملة، وصحت إباحة عمر وغيره.
قلت: وفيه نظر من وجهين:
الأول: إن حديث ابن عباس ليس فيه أنه كان بالمدينة، وإنما قال:"كنت في بيت ميمونة، فدخل -عليه السلام- ومعه خالد -رضي الله عنه- فجاءوا بضبين. . ." الحديث، وإذا كان كذلك فيحتمل أنه كان لما تزوج -عليه السلام- ميمونة، وكان موضع مبيتها بيتها أيَّ موضع كان.
الثاني: أن قوله "ولم تصبهم في تبوك مجاعة" كلام فاسد، وذهول شديد عما في كتاب الله من تسميتها عُسرة، وأي مجاعة أشد من ذلك؟!.
قوله:"فأصابتنا مجاعة" أي جوع، وهو نقيض الشبع، يقال: جَاعَ يَجُوع جَوْعًا، ومجاعة، والجوعة: المرة الواحدة.
قوله:"إن أمة" أي طائفة.
قوله:"فاكفئوها" أمرٌ من كفأت الإناء كببته وقلبته، فهو مكفوء.
وزعم ابن الأعرابي أن أكفأته لغة، وهو مهموز اللام.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى تحريم لحوم الضباب؛ لأنهم لم يأمنوا أن يكون ممسوخًا، واحتجوا بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأعمش وزيد بن وهب، وجماعة آخرين؛ فإنهم قالوا: كل الضباب حرام، واحتجوا بحديث عبد الرحمن بن حسنة؛ لأن أمر النبي -عليه السلام- بإكفاء القدور التي كانوا قد طبخوا فيها ضباب يدل على تحريمها، فلو