كان أكلها جائزًا لما أمر بذلك، وذلك كما أمر بإكفاء القدور التي كانوا قد طبخوا فيها لحم الحمر الأهلية يوم حنين.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بها بأسًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم لم يروا بأكل الضب بأسًا، وهو مذهب الظاهرية أيضًا.
وقال ابن حزم:"وصحت إباحته عن عمر بن الخطاب وغيره".
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن حصينًا قد روى هذا الحديث عن زيد بن وهب على خلاف هذا المعنى الذي رواه الأعمش.
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن زيد بن وهب، عن ثابت بن يزيد الأنصاري -رضي الله عنه- قال:"كنا مع رسول الله -عليه السلام- فأصاب الناس ضبابًا فاشتووها فأكلوها فأحبت منها ضبا فشويته، ثم أتيت به النبي -عليه السلام- فأخذ جريدة، فجعل يعد بها أصابعه، فقال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دوابًّا في الأرض، وإني لا أدري لعلها هي، فقلت: إن الناس قد اشتووها فأكلوها، فلم يأكل، ولم ينه".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا أبو عوانة، عن حصين فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: ثابت بن وديعة.
ففي هذا الحديث خلاف ما في الحديث الأول؛ لأن في هذا: أن رسول الله -عليه السلام- لم ينههم عن أكلها، وقد خشي في هذا الحديث أن يكون ممسوخًا كما خشي في الحديث الأول، غير أنه يجوز أن يكون قد ترك النهي لأنهم كانوا في مجاعة -على ما في حديث الأعمش- فأباح لهم ذلك للضرورة.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الآخرين فيما ذهبوا إليه، أن حُصَيْنًا -بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين- بيان ذلك: أن الحديث الذي رواه الأعمش،