للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقرير الجواب أن يقال: ما قاله الرسول -عليه السلام- من الأحاديث المحرمة للحمر الأهلية أولى من قول ابن عباس، بإباحتها مستدلا بالآية المذكورة، لأن الاستدلال بالآية على إباحة لحوم الحمر الأهلية لا يصح؛ بيان ذلك: أن طاوس بن كيسان، ذكر أن الجاهلية كانوا يستحلون أشياء ويحرمون أشياء، فقال الله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (١) مما تستحلون {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (١) الآية وسياقه المحاج به يدل على ما قاله طاوس؛ لأن الله تعالى قد ذكر ما كانوا يحرمون من الأنعام، وذمهم على تحريم ما أحله وعنفهم، وأبان به عن جهلهم؛ لأنهم حرموه بغير حجة ثم عطف عليه قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (١) يعني مما تحرمونه إلا ما ذكر وإذا كان تقدير الآية كذلك لم يجر الاستدلال بها على إباحة ما خرج عن الآية.

فإن قيل: قد ذكر في أول المائدة تحريم المنخنقة والموقوذة وما ذكر معها وهي خارجة عن هذه الآية.

قلت: المنخنقة وما ذكر معها داخلة في الميتة، أو نقول: إن سورة الأنعام مكية فيجوز أن لا يكون حرم في ذلك الوقت إلا ما قد ذكر في هذه الآية وسورة المائدة مدنية وهي آخر ما نزل من القرآن.

فإن قيل: الأحاديث التي وردت في تحريم لحوم الحمر الأهلية أخبار آحاد، والعمل بها يوجب نسخ الآية المحكمة وهو لا يجوز.

قلت: قد خصت من هذه الآية أشياء كثيرة بالتحريم غير مذكورة فيها كالنجاسات والحمر ولحم القردة فحينئذ يجوز تخصيصها بأخبار الآحاد ويجوز استعمال القياس أيضًا في مثل هذا.

قوله: "ولو كان النظر. . . ." إلى آخره. إشارة إلى أن النظر والقياس لو كان له دخل في هذ الباب لكان أكل لحم الحمر الأهلية حلالًا كالحمر الوحشية، ولكن اتباع


(١) سورة الأنعام، آية [١٤٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>