إذا مَرَّ على غنم قوم ينادي: يا صاحب الغنم -أو يا راعي الغنم- ثلاثًا، فإن أجاب، وإلا شرب من لبنها.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا ينبغي أن يأكل من غير ضرورة، فإن كانت ضرورة فالأكل والشرب له مباح.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء وفقهاء الأمصار منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: لا يجوز لأحد أن يأكل من بستان أحد ولا يشرب من لبن غنمه إلا بإذن صاحبه، اللهم إلا إذا كان مضطرًا، فحينئذ يجوز له بغير إذن قدر دفع الحاجة.
ص: وقد روي عن أبي سعيد في غير هذا الحديث ما يدل على أن الإباحة المذكورة في هذا الحديث هي على الضرورة، فذكروا ما حدثنا فهد، قال: ثنا مخول بن إبراهيم، قال: ثنا إسرائيل، عن عبد الله بن عصمة، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: "إذا أرمل القوم فصبحوا الإبل فلينادوا الراعي ثلاثًا، فإن لم يجدوا الراعي، ووجدوا الإبل فليتصبحوا لبن الراوية إن كان في الإبل راوية، ولا حق لهم في بقيتها، فإن جاء الراعي فليمسكه رجلان ولا يقاتلوه، وليشربوا فإن كان معهم دراهم فهو عليهم حرام إلا بإذن أهله".
ففي هذا الحديث دليل على أن ما أبيح من ذلك في هذا الحديث الأول إنما هو على الضرورة.
ش: هذا جواب عن حديث أبي سعيد المذكور الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه.
تقريره أن يقال: إن استدلالهم بالحديث المذكور لا يتم ولا يستقيم؛ لأنه قد دَلَّ حديث أبي سعيد الآخر أن معناه محمول على حالة الضرورة، ونحن أيضًا نقول: إن الضرورة تبيح الأكل من ثمار غيره والشرب من لبن غيره ونحو ذلك؛ قدر ما يدفع جوعته.