الثالث: أنه -عليه السلام- لم يجد مكانًا للقعود، فاضطر إلى القيام، لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليًا مرتفعًا.
الرابع: ما ذكره القاضي عياض، لكون البول قائمًا حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب، بخلاف حالة القعود، ولذلك قال عمر - رضي الله عنه -: "البول قائمًا حصن للدبر"(١).
والخامس: أنه -عليه السلام- فعله بيانًا للجواز في هذه المرة، وكانت عادته المستمرة البول قاعدًا، فدل عليه حديث عائشة المذكور في أول الباب.
وأما بوله -عليه السلام- في سباطة، قوم فيحتمل وجوهًا:
الأول: وهو الأظهر، أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكروهونه بل يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه، والأكل من طعامه، والاستمداد من محبرته، ولهذا ذكر علماؤنا: أن من دخل بستان غيره يباح له الأكل من فاكهته، إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط وصحبة.
والثاني: أنها لم تكن مختصة بهم، بل كانت بفناء دورهم للناس كلهم، فأضيفت إليهم لقربها منهم.
والثالث: أن يكونوا أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة صريحًا أو دلالة.
فإن قيل: قد روي أنه -عليه السلام- إذا أراد حاجة أبعد، فكيف بال في السباطة التي بقرب الدار؟
قلت: لعله كان مشغولًا بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم، وطال عليه مجلس حتى حرقه البول، فلم يمكنه التباعد، ولو أبعد لتضرر، وارتاد السباطة لدمثها، وقام حذيفة بقربه ليستره من الناس.
(١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ١٠٢ رقم ٤٩٨). ولفظه: "البول قائما أحصن للدبر". وعزاه الحافظ في "الفتح" (١/ ٣٣٠) لعبد الرزاق.