الاجتهاد إلى الصواب، وإلى غير الصواب، فمن هذه الجهة كره رسول الله -عليه السلام- لأبي بكر - رضي الله عنه - الحلف عليه ليخبره بصوابه ما هو؟ لا من جهة كراهية القسم.
ش: أراد أن حديث ابن عباس الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه ليس مما يُلزَم به أهل المقالة الثانية، وبيَّن ذلك بقوله:"فإنه يجوز أن يكون .. إلى آخره" ومبنى هذا الكلام على رأي أهل السنة والجماعة: أن المجتهد يخطئ ويصيب خلافا للمعتزلة في أن كل مجتهد مصيب، وأن الرأي قد يقع فيه الغلط في حقه -عليه السلام-، وفي حق غيره.
ألا ترى أن الصحابة قد خالفوه في بعض الرأي غير مرة، واستصوبهم -عليه السلام- في ذلك، فمن ذلك أنه لمّا أراد النزول يوم بدر دون الماء، قال له الحباب بن المنذر:"إن كان عن وحي فسمعًا وطاعة، وإن كان عن رأي فإني أرى الصواب أن ننزل على الماء ونتخذ الحياض، فأخذ رسول الله -عليه السلام- برأيه ونزل على الماء".
ومن ذلك أنه لما أراد يوم الأحزاب أن يعطي المشركين شطر ثمار المدينة لينصرفوا، قام سعد بن معاذ وسعد بن عبادة قالا:"إن كان هذا عن وحي فسمعًا وطاعة، وإن كان عن رأي فلا نعطيهم إلا السيف، قد كنا نحن وهم في الجاهلية، لم يكن لنا ولا لهم دين، وكانوا لا يطمعون في ثمار المدينة إلا بشراء أو قرى، فإذا أعزنا الله تعالى بالدين نعطيهم أموالنا؟! لا نعطيهم إلا السيف، وقال - صلى الله عليه وسلم -: إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد، فأردت أن أصرفهم عنكم، فإذا أبيتم [فأنتم](١) وذاك، ثم قال للذين جاءوا للصلح: اذهبوا فلا نعطيكم إلا السيف".
ومن ذلك أنه -عليه السلام- نهى أن توطأ الحوامل، خوفًا منه أن يضر ذلك أولادهم، ثم لما بلغه أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يحصل الضرر لأولادهم، أطلق ما كان منع من ذلك.
(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "تاريخ الطبري" (٢/ ٧٣).