للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما أخرج الترمذي حديث عبد الله بن عباس قال: وفي الباب عن علي، وسعد، وعبد الله بن عمر، وعائشة.

قلت: أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:

فأخرجه الترمذي (١): ثنا قتيبة، قال: نا محمَّد بن جعفر، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: "رأيت رسول الله -عليه السلام- يشرب قائمًا".

وأما حديث عائشة:

فأخرجه النسائي (٢) عنها، قالت: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب قاعدًا وقائمًا، ويصلي حافيًا ومتنعلًا (٣) ".

ص: ففي هذه الآثار إباحة الشرب قائمًا، وأولى الأشياء إذا روي حديثان عن رسول الله -عليه السلام- فاحتملا الاتفاق واحتملا التضاد أن نحملهما على الاتفاق لا على التضاد، وكان فيما روينا في هذا الفصل عن رسول الله -عليه السلام- إباحة الشرب قائمًا، وفيما روينا في الفصل الذي قبله النهي عن ذلك؛ فاحتمل أن يكون ذلك النهي لم يرد به هذه الإباحة، ولكن أريد به معنى آخر.

فنظرنا في ذلك، فإذا فهد قد حدثنا، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا خالد، عن بيان، عن الشعبي، قال: "إنما كره الشرب قائمًا لأنه داء"، فأخبر الشعبي في هذا بالمعنى الذي من أجله كان النهي، وأنه لما يُخَافُ منه من الضرر وحدوث الداء لا غير ذلك، فأراد رسول الله -عليه السلام- بذلك النهي الإشفاق على أمته، وأمره إياهم بما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم، كما قد قال لهم: "أما أنا فلا آكل متكئًا".

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي أخرجها عن ستة من الصحابة؛ فإنها تدل على إباحة الشرب قائمًا، وما رواه في أول الباب عن الجارود وأنس يقتضي كراهة


(١) "جامع الترمذي" (٤/ ٣٠١ رقم ١٨٨٣).
(٢) "المجتبى" (١/ ٤٠٥ رقم ١٢٨٤).
(٣) كذا في "الأصل، ك"، وفي "المجتبى": "منتعلًا"، بتقديم النون على التاء المثناة من فوقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>