ذلك، وبينهما تعارض ظاهر، والتوفيق بينهما: أن ما روي مما فيه الكراهة محمول على نهي الإشفاق لا التحريم، وقد أخبر بذلك عامر الشعبي.
أخرجه بإسناد صحيح: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي، عن خالد بن عبد الله الطحان، عن بيان بن بشر الأحمسي البجلي الكوفي، عن الشعبي قال:"إنما كره الشرب قائمًا لأنه داء"، فأخبر الشعبي عن علة النهي ما هي؟ وهي خوف الضرر وحدوث الداء لا غير ذلك. فكان قصده -عليه السلام- بذلك النهي الإشفاق على أمته؛ لأنه أرحم من الأب الشفوق، ولا يأمر بشيء ولا ينهى عنه إلا لما فيه صلاح أمته في دينهم ودنياهم، ونظير ذلك ما قال لهم:"أما أنا فلا آكل متكئًا" فإن هذا الكلام ليس منه طريق التحريم عليهم أن يأكلوا كذلك، وإنما كره ذلك مخافة أن تعظم بطونهم إشفاقًا منه عليهم.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سهيل بن بكار (ح).
وحدثنا محمَّد بن خزيمة قال: ثنا حجاج، قالا: ثنا أبو عوانة عن رقية، عن علي بن الأقمر، عن أبي جُحيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنا فلا آكل متكئًا".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول. . . .، فذكر مثله.
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة، عن رسول الله -عليه السلام-. . . . مثله.
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مسعر بن كدام، عن علي بن الأقمر، قال: سمعت أبا جحيفة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . . فذكر مثله.
فليس ذلك على طريق التحريم منه عليهم أن يأكلوا كذلك، ولكن لمعنى في الأكل متكئًا خافَهُ عليهم.