قوله:"وخالفنا أبا جعفر" وهو أحمد بن أبي عمران الفقيه، أحد مشايخه الذين أخذ عنهم الحديث والفقه.
ص: فإن قال قائل: إن الله -عز وجل- إنما أمرهم في كتابه أن يتوبوا، والتوية هي ترك الذنوب وترك العود إليها , وليس يكون ذلك بقولهم: قد تبنا، وإنما ذلك بالخروج من الذنوب وترك العود إليها، وكذلك روي في قول الله -عز وجل-: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}(١) فذكروا ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا موسى بن زياد المخزومي، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا سماك، عن النعمان بن بشير قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول:"التوبة النصوح أن يجتنب الرجل السوء كان يعمله، فيتوب إلي الله -عز وجل- منه، ثم لا يعود إليه أبدًا".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن النعمان، عن عمر - رضي الله عنه - مثله.
فهذه صفة التوبة التي أمرهم الله -عز وجل- في كتابه العزيز. وأما قولهم: نتوب إلي الله -عز وجل-، فليس من هذا في شيء.
قيل له: إن ذلك إن كان كما ذكرتم، فإنا لن نبح لهم أن يقولوا: نتوب إلي الله -عز وجل- علي أنهم يعتقدون الرجوع إلي ما تابوا منه، ولكن أبحنا لهم أن يقولوا: نتوب إلي الله -عز وجل- علي أنهم يريدون به ترك ما وقعوا فيه من الذنوب ولا يريدون العود في شيء منها، فإذا قالوا ذلك واعتقدوا هذا بقلوبهم؛ كانوا في ذلك مأجورين مثابين فمن عاد منهم بعد ذلك في شيء من تلك الذنوب كان ذلك ذنبًا أصابه ولم يحبط ذلك أجوره المكتوبة له بقوله الذي تقدم منه واعتقاده معه ما اعتقد، فأما مَن قال: أتوب إلي الله -عز وجل- وهو معتقد أن يعود إلي ما تاب منه؛ فهو بذلك القول فاسق معاقب عليه؛ لأن كذب فيما قال: وأما إذا قال وهو معتقد لترك الذنب الذي كان وقع فيه وعازم علي أن لا يعود إليه أبدًا؛ فهو صادق في قوله: مثاب علي صدقه إن شاء الله تعالى.