للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعلمهم مُهِمَّ ذلك كله؛ لقول الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (١) قالوا: فإذا علم الرجل المسلم ما جاء عن رسول الله -عليه السلام- في النياحة على الميت والنهي عنه والتشديد فيها, ولم ينه عن ذلك أهله ونيح عليه بعد ذلك، فإنما يعذب بما نيح عليه؛ لأنه لم يفعل ما أمر به من نهي أهله عن ذلك وأمره إياهم بالكف عنه، وإذا كان ذلك كذلك فإنما يعذب بفعل نفسه وذنبه لا بذنب غيره، وليس في ذلك ما يعارض قول الله -عز وجل-: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٢)، فكأن ما رواه عمر وابنه عبد الله والمغيرة وغيرهم صحيح المعنى غير مدفوع، وبالله التوفيق، انتهي.

وقال الخطابي: قد يحتمل أن يكون الأمر في هذا علي ما ذهبت عائشة - رضي الله عنها -؛ لأنها قد روت أن ذلك إنما كان في شأن يهودي، فالخبر المفسر أولى من المجمل، ثم احتجت له بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحًا من غير أن يكون فيه خلاف للآية؛ وذلك أنهم كانوا يوصون أهلهم بالبكاء والنوح عليهم، فكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم، كقول القائل (٣):

إذا مُتُّ فانْعِيني بما أنا أهلُه ... وشُقِّي عليَّ الجَيْبَ يا ابنةَ معْبَدِ

وكقول لبيد:

فقُومَا وقُولا بالذي تَعْلَمانِهِ ... ولا تَخْمِشا وجْهًا ولا تحلِقا شَعَرْ

وقولا هو المرءُ الذي لا صَديقَه ... أضاعَ ولا خافَ الأميرَ ولا غَدَرْ

إلى الَحوْلِ ثُمَّ اسمُ السَّلامِ عَليكُما ... ومَنْ يَبكِ حَوْلا كامِلا فقد اعْتَذَر

ومثل هذا كثير في أشعارهم، فإذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته، وقال -عليه السلام-: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها".


(١) سورة التحريم، آية: [٦].
(٢) سورة الأنعام، آية: [١٦٤].
(٣) القائل هو: طرفة بن العبد.

<<  <  ج: ص:  >  >>