وفيه وجه آخر: وهو أنه مخصوص في بعض الأموات الذين وجبت عليهم بذنوب اقترفوها وجري من قضاء الله فيهم أن يكون عذابه وقت البكاء عليهم، ويكون كقولهم:"مطرنا بنوء كذا" أي عند نوء كذا؛ كذلك قوله:"إن الميت يعذب ببكاء أهله" أي عند بكائهم عليه، لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالاً لا سببًا؛ لأنا لو جعلناه سببًا لكان مخالفًا للقرآن، وهو قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(١).والله أعلم.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بالبكاء على الميت إذا كان بكاء لا معصية معه من قول فاحش ولا نياحة، واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن الحارث الأنصاري، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال:"اشتكي سعد بن عبادة شكوى، فأتى رسول الله -عليه السلام- يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم -، فلما دخل عليه وجده في غشيته، فقال: أقد قضى؟ قالوا: لا والله يا رسول الله، فبكي رسول الله -عليه السلام-، فلما رأى القوم بكي رسول الله -عليه السلام- بكوا، فقال: ألا تسمعوا أن الله تعالى لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم".
حدثنا أحمد بن الحسن، قال: سمعت سفيان يقول: حدثني ابن عجلان، عن وهب بن كيسان، عن أبي هريرة:"أن عمر - رضي الله عنه - أبصر امرأة تبكي علي ميت فنهاها، فقال له رسول الله -عليه السلام-: دعها يا أبا حفص فإن النفس مصابة، والعين بكية، والعهد قريب".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: "أن رسول الله -عليه السلام- مرَّ بنساء بني الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد، فقال رسول الله -عليه السلام-: لكن حمزة لا بواكي له، فجاء نساء