عبيدة في خنصره بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل: إنها ليست بشيء، فقال: إني أرجو أن يبارك الله فيها؛ فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرًا، فمات من ذلك وقُبَر ببيسان، وقيل: توفي بعمواس سنة ثماني عشرة - رضي الله عنه -.
ثم الحديث المذكور يشتمل علي أحكام:
الأول: فيه خروج الخليفة إلي أعماله يطالعها وينظر إليها ويعرف أحوال أهلها.
الثاني: فيه استعمال الخليفة أمراءَ عددًا في موضع واحد لوجوه يصرفهم فيها، وكان عمر - رضي الله عنه - قَسَّمَ الشام علي أربعة أمراء، تحت كل واحد منهم جند وناحية من الشام، وهم: أبو عبيدة، وشرحبيل، ويزيد بن أبي سفيان وأحسب الرابع معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ثم لم يمت عمر - رضي الله عنه - حتى جمع الشام لمعاوية.
الثالث: فيه دليل علي إباحة العمل والولاية، وأن لا بأس بها للصالحين والعلماء إذا كان الخليفة فاضلًا عالمًا يأمر بالحق ويعدل.
الرابع: فيه دليل علي مشورة من يُوثَقْ بفهمه وعقله عند نزول الأمر المعضل.
الخامس: فيه دليل علي أن المسألة إذا كان دليلها الاجتهاد ووقع فيها الاختلاف لم يجز لأحد القائلين فيه عيب مخالفه ولا الطعن عليه؛ ألا ترى أنهم اختلفوا وهم القدوة فلم يُعِبْ أحد منهم علي صاحبه اجتهاده ولا وَجَدَ عليه في نفسه؟ إلي الله الشكوى، وهو المستعان.
السادس: فيه دليل علي أن المجتهد إذا أدَّاه اجتهاده إلي شيء خالفه فيه صاحبه لم يجز له الميل إلي قوله صاحبه إذا لم يَبِنْ له موضع الصواب فيه، ولا قام له الدليل عليه.
السابع: فيه دليل علي أن الإِمام أو الحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة، كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ويشاورهم، فإن لم يأت واحد منهم بدليل من كتاب أو سنة غير اجتهاده كان عليه الميل إلى الأصلح والأخذ بما يراه.
الثامن: فيه دليل علي إثبات المناظرة والمجادلة عند الخلاف في النوازل والأحكام.