للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: قيل لهم: ما في هذا دليل علي ما ذكرتم؛ لأنه لو كان أَمْرُهُ بترك القدوم للخوف منه لكان يطلق لأهل الموضع الذي وقع فيه أيضًا الخروج منه؛ لأن الخوف عليهم منه كالخوف علي غيرهم، فلما منع أهل الموضع الذي وقع فيه الطاعون من الخروج منه، ثبت أن المعنى الذي من أجله منعهم من القدوم عليه غير المعنى الذي ذهبتم إليه.

ش: هذا جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا من الأحاديث المذكورة وهو جواب بطريق المنع، وهو أن يقال: دليلكم لا يطابق مدَّعاكم؛ وذلك لأنه لو كان أمره بترك القدوم للخوف منه. . . . إلى آخره.

ص: فإن قال قائل: فما ذلك المعنى؟

قيل له: هو عندنا -والله أعلم- علي أن لا يقدم عليه رجل فيصيبه بتقدير الله -عز وجل- أن يصيبه، فيقول: لولا أن قد قدمت هذه الأرض لما أصابني هذا الوجع، وكذلك لو أقام في الموضع الذي خرج منه لأصابه، فأمر أن لا يقدمها خوفًا من هذا القول، وكذلك أمر أن لا يخرج من الأرض التي قد نزل بها؛ لئلا يسلم، فيقول: لو أقمت في تلك الأرض لأصابني ما أصاب أهلها , ولعله لو كان أقام بها ما أصابه من ذلك شيء، فأمر بترك القدوم على الطاعون للمعنى الذي وصفنا، وبترك الخروج عنه للمعنى الذي ذكرنا، وكذلك ما روينا عنه في أول هذا الباب من قوله: "لا يورد ممرض علي مصح" ليس علي ما تأوله عليه أهل المقالة الأولي، ولكنه عندنا -والله أعلم- لا يورد ممرض علي مصح فيصيب المصح ذلك المرض، فيقول الذي أورده: لو أني لم أورده عليه لم يصبه من هذا المرض شيء، فلعله لو لم يورده أيضًا لأصابه كما أصابه لما أورده، فأمر بترك إيراده وهو صحيح علي ما هو مريض لهذه العلة، التي لا يؤمن على الناس وقوعها في قلوبهم، وقولهم ما ذكرنا بألسنتهم.

ش: أشار بذلك المعنى إلى قوله: غير المعنى الذي ذهبتم وهو ظاهر، وهذا جواب الجمهور، وقالوا: إن نهي النبي -عليه السلام- أن يسقي إبله الممرض مع إبله المصح لا

<<  <  ج: ص:  >  >>