للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج أبو نعيم (١) أيضًا من حديث الحسن بن عمارة، عن أبيه، عن أبي أوفى، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين".

وأخرج ابن ماجه (٢) من حديث فاطمة بنت الحسين، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تديموا النظر إلى المجذوم".

وفي رواية (٣) عن فاطمة، عن أبيها، عن علي ترفعه، فذكره.

فهذه كلها تعارض حديث جابر - رضي الله عنه -.

قلت: لا نسلم ذلك؛ لأمور:

الأول: أن حديث جابر لا يقاوم الأحاديث المذكورة، والمُعَارَضَة لا تكون إلا مع التساوي.

الثاني: علي تقدير الصحة أن أخذه بيده، وقوله: "كل بسم الله" ليس فيه أنه أكل معه، وإنما أذن له ولم يأكل هو -عليه السلام-. ذكره الكلاباذي.

الثالث: علي تقدير أكله معه؛ أراد أن يُعْلم أن هذه الأمراض لا تُعدي بطبعها، ولكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببًا لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب؛ ففي حديث جابر ونحوه نفي ما كان يعتقده الجاهلي، وأن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال في حديث أخر: "فمن أعدي الأول" وفي حديث أبي هريرة ونحوه أَعْلَم أن الله جعل ذلك سببًا لذلك، فحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله تعالى، أو يكون قاله لمن ضعفت نيته، وحديث جابر يكون في حق من قويت نيته وزاد يقينه، فيخاطب -عليه السلام- كل إنسان بما يليق حاله، وهو -عليه السلام- يفعل الحالتين معًا، تارة بما فيه التسوية والتشريع، وتارة بما يغلب عليه من القوة الإلهية، وزعم النظام أن قوله: "فر من


(١) وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (٢/ ٢٨٩).
(٢) "سنن ابن ماجه" (٢/ ١١٧٢ رقم ٣٥٤٣).
(٣) أخرجه الإِمام أحمد في "مسنده" (١/ ٧٨ رقم ٥٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>