المجذوم" معارض لقوله: "لا عدوى" قال أبو بكر محمَّد بن الطيب: هذا جهل وحيف من قائله؛ لأن قوله: "لا عدوى" مخصوص يراد به شيء دون شيء، وإن كان الكلام ظاهره العموم فليس بمنكر أن يخص العموم بقول آخر، أو استثناء فيكون قوله: "لا عدوى" المراد به إلا الجذام والبرص والجرب فكأنه قال: لا عدوى إلا ما كنت بينته لكم أن فيه عدوى فلا تناقض حينئذ.
وقال الطبري: اختلف السلف في صحة هذا الحديث -أي حديث: "فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"- فأنكر بعضهم أن يكون -عليه السلام- أمر بالبعد من ذي عاهة جذامًا كان أو غيره، قالوا: قد أكل مع مجذوم وأقعده معه، وفعله أصحابه المهديون، روى عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: "أن وفد ثقيف أتوا أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فأتى بطعام فدعاهم، فتنحى رجل، فقال: ما له؟ قال: مجذوم، فدعاه وأكل معه". وكان ابن عمر وسلمان - رضي الله عنهم - يصنعان الطعام للمجذومين ويأكلان معهم، وعن عكرمة: "أنه تنحى من مجذوم، فقال له ابن عباس: لعله خير مني ومنك".
وعن عائشة: "أن امرأة سألتها. أكان رسول الله -عليه السلام- قال: فروا من المجذومين فراركم من الأسد؟ فقالت: عائشة كلَّا والله، ولكنه قال: لا عدوى، قال: فمن أعدى الأول، وكان مولى لنا أصابه ذلك الداء، فكان يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي".
قالوا: وقد أبطل -عليه السلام- العدوى.
وقال آخرون: الخبر صحيح، وقالوا: أمره -عليه السلام- بالفرار منه لنهيه عن النظر إليه.
وقال محمَّد بن جرير: الصواب عندنا ما صح أنه لا عدوى وأنه لا يصيب نفسًا إلا ما كُتِبَ عليها من الله، لا ينبغي لذي صحة الدنو من الأجذم وذي العاهة التي يكرهها الناس لا أن ذلك حرام، ولكن حذرًا من أن يظن الصحيح إذْ نزل به الداء أن ذلك أصابه لدنوه منه، فيوجب له ذلك الدخول فيما نهى عنه وأبطله من أمر الجاهلية في العدوى، وليس في أمره -عليه السلام- بالفرار من المجذوم خلاف لأكله معه؛