للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: وعلي هذا المعنى -والله أعلم- رجع عمر - رضي الله عنه - بالناس من سرغ، لا علي أنه فار مما قد نزل بهم؛ والدليل علي ذلك:

أن ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا علي بن عياش الحمصي، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " [اللهم] (١) إن الناس نحلوني ثلاث خصال، وأنا أبرأ إليك منهن: زعموا أني فررت من الطاعون وأنا أبرأ إليك من ذلك، وأني أحللت لهم الطلاء وهو الخمر، وأنا أبرأ إليك من ذلك, و [أني] (٢) أحللت لهم: المكس وهو البخس، وأنا أبرأ إليك من ذلك".

فهذا عمر - رضي الله عنه - يخبر أنه يبرأ إلي الله -عز وجل- أن يكون فَرَّ من الطاعون، فدل ذلك أن رجوعه كان لأمر آخر غير الفرار، وكذلك ما أراد بكتابه إلي أبي عبيدة - رضي الله عنه - أن يخرج هو ومن معه من جند المسلمين إنما هو لنزاهة الجابية وعمق الأردن، وقد بيَّن أبو موسى في حديث شعبة، المكروه في الطاعون ما هو؟ وهو أن يخرج منه خارج فيسلم فيقول: سَلِمْتُ لأني خرجت، أو يهبط عليه هابط فيصييه فيقول: أصابني لأني هبطت، وقد أباح أبو موسى مع ذلك للناس أن يتنزهوا عنه إن أحبوا، فدل علي ما ذكرنا على التفسير الذي وصفنا.

فهذا معنى هذه الآثار عندنا والله أعلم.

ش: أي وعلى المعنى الذي ذكرنا وهو أن الخروج من الموضع الذي وقع فيه الوباء لا بأس به إذا كان لا للفرار منه؛ رجع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالناس من سَرْغ -بفتح السين وسكون الراء المهملتين وبغين معجمة- وروي بفتح [الراء] (٣) أيضًا، وقد ذكرنا أنها قرية بوادي تبوك من طريق الشام، ولم يكن رجوع عمر منها علي أنه فر من الذي قد نزل بأهل الشام من الوباء.


(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(٢) في "الأصل": "أنا"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(٣) في "الأصل، ك": "السين"، وهو سبق قلم من المؤلف -رحمه الله-، وانظر "النهاية" (٢/ ٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>