فإن قيل: لا نسلم أن رجوعه كان لغير الفرار من الوباء، ألا ترى أنه لما قال له أبو عبيدة:"أفرارًا من قدر الله؟ قال له: نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله".
قلت: لدفع هذا السؤال: قال الطحاوي: والدليل علي ذلك أي علي أن رجوع عمر بالناس لم يكن فرارًا عن الوباء؛ أن ابن أبي داود قد حدثنا. . . . إلي آخره.
وقوله:"الدليل" مبتدأ.
وقوله:"أن ابن أبي داود" وفي محل الرفع خبره. وهو إبراهيم البرلسي، يحدث عن علي بن عياش -بالياء المشددة وبالشين المعجمة- بن مسلم الألهاني الحمصي شيخ البخاري، عن شعيب بن أبي حمزة .. إلي آخره.
وهو إسناد صحيح.
وقد صرح فيه أنه تبرأ من قول الناس: فَرَّ عمر من الطاعون، حيث قال: أبرأ إلى الله من ذلك.
وقال أبو عمر (١): لم يبلغني أن أحدًا من أهل العلم فر من الطاعون إلا ما ذَكَر المدائني أن علي بن زيد بن جدعان هرب منه فطعن فمات بالسيالة، قال: وهرب عمرو بن عبيد، ورباط بن محمَّد بن رباط إلى الرباطية، فقال إبراهيم بن علي القعنبي:
ولما استفزَّ الموتُ كل مكذبٍ ... صبرتُ ولم يَصْبِرْ رباطٌ ولا عَمرو
وقال المدائني: ولما وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان، خرج هاربًا، فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها: سكر، فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك، فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ قال: طالب بن مدرك، فقال: أوه، ما أراني راجعًا إلى الفسطاط، فمات في تلك القرية.