للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللوح المحفوظ لم يكن منه بد، وليست البقاع ولا الأنفس بصانعة شيئًا من ذلك. فهذا هو الاعتقاد الذي يجب على العبد أن يعتقده، ويسلم أمره إلى الله تعالى، ويترك القطع علي الله بالشؤم في شيء، وقد يقال: إن شؤم المرأة أن تكون سيئة الخلق، أو غير قانعة، أو تكون سليطة، أو تكون غير ولود.

وشؤم الفرس أن يكون شموسًا، وقيل: أن لا يكون يغزى عليها.

وشؤم الدار أن تكون ضيقة، وقيل: أن يكون جارها سُوْءًا (١).

فإن قيل: لم خصص -عليه السلام- هذه الثلاث؟

قلت: لما ذكرنا عن عائشة من أن أهل الجاهلية كانوا يعتقدون حقيقة الشؤم في هذه الثلاث؛ فلذلك نص -عليه السلام- علي هذه الثلاث دون غيرها؛ حكاية عن اعتقادهم ذلك.

فإن قيل: روى مالك في "موطإه" (٢) عن يحيى بن سعيد أنه قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله -عليه السلام- فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر؛ فقل العدد وذهب المال، فقال رسول الله -عليه السلام-: دعوها ذميمة".

قلت: إنما قال ذلك كذلك لِمَا رآه منهم وأنه رسخ في قلوبهم ما كانوا عليه في جاهليتهم، وكان رءوفًا بالمؤمنين بأخذ عفوهم شيئًا فشيئًا، وهكذا كان نزول الفرائض والسنن , حتى استحكم الإسلام وكمل ولله الحمد، ثم بيَّن رسول الله -عليه السلام- بعد ذلك لأولئك الذين قال لهم: "اتركوها ذميمة" ولغيرهم ولسائر أمته الصحيح بقوله: "لا طيرة ولا عدوى" وبالله التوفيق.

وقال الخطابي: يحتمل أن يكون أمرهم بتركها والتحول عنها إبطالًا لما وقع منها في نفوسهم من أن يكون المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها، فإذا تحولوا منها انقطعت مادة ذلك والوهم.


(١) وانظر هذا الجواب بتمامه في "عمدة القاري" (١٤/ ١٥٠).
(٢) "موطأ مالك" (٢/ ٩٧٢ رقم ١٧٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>