وقد عُلِمَ بهذه الآثار أن مذهب إبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وعامر الشعبي، والحسن البصري، والزهري، والليث بن سعد، والحكم بن عُتيبة؛ مثل مذهب أبي حنيفة وأصحابه في جواز التيمم لصلاة الجنازة عند خوف فوتها مع وجود الماء.
ص: فلما كان قد رُخص في التيمم في الأمصار خوف فوت الصلاة على الجنازة، وفي صلاة العيدين؛ لأن ذلك إذا فات لم يقض، قالوا: فكذلك رُخِّصنا في التيمم في الأمصار لرد السلام؛ ليكون ذلك جوابا للمُسَلِّم؛ لأنه إذا رد في الحال الثاني لم يكن جوابا للسلام له، وأما ما سوى ذلك مما لا يخاف فوته من الذكر، وقراءة القرآن فإنه لا يخاف فوته، فإنه لا يجوز فيه التيمم، ولا ينبغي أن يفعل ذلك أحد إلا على طهارة.
ش: هذا من جملة مقالة أهل المقالة الثانية بطريق القياس، وهو أن التيمم لما كان جائزا في الأمصار لأجل الجنازة، فكذلك ينبغي أن يتيمم لأجل رد السلام قياسا عليه، والجامع وجود خوف الفوات فيهما، بخلاف ما سوى ذلك من قراءة القرآن والذكر ونحوهما، حيث لا يقاس على ذلك لانتفاء الجامع؛ فحينئذ لا يجوز التيمم فيه، ولا ينبغي أن يقرأ أحد، أو يذكر الله إلاَّ على حالة يجوز له أن يصلي على تلك الحالة.
فإن قيل: ما حكم التيمم الواقع للجنازة أو لرد السلام، هل يصلي به الفرض أم لا؟
قلت: العمدة في ذلك اعتبار كيفية النية، فإن نوى به استباحة الصلاة يجوز به أداء ما شاء من الصلوات، وإن عَيَّنَ به أداء جواب السلام فقط لا يجوز به بعده أداء الصلوات، كما إذا تيمم لدخول المسجد أو مس المصحف.
ثم اعلم أن أصحابنا اختلفوا في كيفية النية فيه، فقال القدوري: الصحيح في المذهب أنه إذا نوى الطهارة، أو نوى استباحة الصلاة أجزأه.