للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي لفظ (١): "تداووا عباد الله؛ فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء إلا السام والهرم، فعليكم بألبان البقر؛ فإنها تخبط من كل الشجر".

ص: وقد كره قوم الرقي، واحتجوا في ذلك بحديث عمران بن حصين الذي ذكرته في الفصل الأول.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الشعبي وقتادة وسعيد بن جبير وآخرين؛ فإنهم كرهوا الرقي، وقالوا: الواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصامًا بالله وتوكلًا عليه وثقة به، وعلمًا بأن الرقية لا تنفعه وأن تركها لا يضره إذ قد علم الله أيام المرض وأيام الصحة، فلو حرص الخلق على تقليل أيام المرض وزمن الداء وعلي تكثير أيام الصحة ما قدروا على ذلك؛ قال الله -عز وجل-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (٢).

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بها بأسًا، واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو الأحوص، عن مغيرة وإبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، عن النبي -عليه السلام-: "أنه رخص في رقية الحية والعقرب".

ففي هذا الحديث الرخصة في رقية الحية والعقرب، والرخصة لا تكون إلا بعد النهي، فدل ذلك أن ما أبيح من ذلك نسخ ما كان في حديث عمران بن الحصين.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الحسن البصري وإبراهيم النخعي والزهري والثوري والأئمة الأربعة وآخرين كثيرين؛ فإنهم قالوا: لا بأس بالرقى.

قال أبو عمر (٣): ذهب جماعة من العلماء إلى إباحة الاسترقاء والمعالجة والتداوي، وقالوا: إن من سُنة المسلمين التي يجب عليهم لزومها لروايتهم لها عن نبيهم -عليه السلام-


(١) رواه أبو حنيفة في "مسنده" (١/ ٢١٢)، وعنه أبو يوسف في كتاب "الآثار" (١/ ٢٣٥).
(٢) سورة الحديد، آية: [٢٢].
(٣) "التمهيد" (٥/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>