للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله -عليه السلام-: "لا رقية إلا من عين أو حُمَّة" فمعناه لا رقية أولى وأنفع، وهذا كما قيل: لا فتًى إلا علي - رضي الله عنه - وقد أمر -عليه السلام- غير واحد من أصحابه بالرقية، وسمع جماعة يرقون فلم ينكر عليهم.

وأما الحديث الآخر في صفة أهل الجنة الذين يدخلون بغير حساب، وهم الذين يسترقون ولا يكتون وعلي ربهم يتوكلون، فهذا من صفات الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا، الذي لا يلتفتون إلى شيء من علائقها، وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم، فأما العوام فمرخص لهم في التداوي والمعالجات، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص والأولياء، ومَن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء؛ ألا ترى أن الصديق - رضي الله عنه - لما تصدق بجميع ماله لم يُنكِر عليه؛ علمًا منه بيقينه وصبره، ولما أتاه الرجل بمثل بيضة الحمام من الذهب وقال: لا أملك غيره صرفه به، بحيث لو أجابه عقره، وقال فيه ما قال.

قوله: "ففي هذا الحديث" أي حديث عائشة: الرخصة من النبي -عليه السلام- في الرقية للحية والعقرب، والرخصة لا تكون إلا بعد النهي عن شيء، فدل ذلك أن ما كان في حديث عمران بن حصين من قوله: "ولا يسترقون" ليس على حاله، والذي حققناه آنفًا هو الفيصل بين هذه الأحاديث؛ فافهم.

ص: وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- في الأمر بالرقية للدغة العقرب ما حدثنا محمَّد بن سليمان الباغندي، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا ملازم بن عمرو، قال: ثنا عبد اللهَ بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه قال: "كنت عند رسول الله -عليه السلام- فلدغتني عقرب، فجعل يمسحها ويرقيه".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا محمَّد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال: ثنا ملازم. . . . فذكر بإسناده مثله.

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن الباغندي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن ملازم ابن عمرو بن عبد الله اليمامي، عن عبد الله بن بدر بن عميرة بن الحارث اليمامي

<<  <  ج: ص:  >  >>