وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(١): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:"كان رسول الله -عليه السلام- يسمُر عند أبي بكر الليلة كذلك في أمر من أمر المسلمين وأنا معه، وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه".
قوله:"ربما سمر" من السَّمَر -بفتحتين- وهو الحديث بعد العشاء وربما تسكن الميم فتكون حينئذ مصدرًا من سَمَرَ يَسمُر سمرًا، وأصل السمر: لون ضوء القمر؛ لأنهم كانوا يتحدثون فيه.
ص: وقد روي في ذلك أيضًا عن عمر - رضي الله عنه - ما حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي وائل، عن عبد الله قال:"جَدَب لنا عمر السمر بعد العشاء الآخرة".
ففي هذا الحديث أن عمر - رضي الله عنهم - جدب لهم السمر بعد العشاء الآخرة، ولم يبيِّن لنا في هذا الحديث أي سمر ذلك السمر؟ فنظرنا في ذلك، فإذا سليمان بن شعيب قد حدثنا، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن الجريري، قال: سمعت أبا نضرة، عن أبي سعيد مولى الأنصار قال:"كان عمر - رضي الله عنه - لا يدع سامرًا بعد العشاء الآخرة، يقول: ارجعوا لعل الله يرزقكم صلاةً أو تهجدًا، فانتهى إلينا وأنا قاعد مع ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر - رضي الله عنهم - فقال: ما يقعدكم؟ قلنا: أردنا أن نذكر الله، فقعد معهم".
فهذا عمر - رضي الله عنه - قد كان ينهاهم عن السمر بعد العشاء ليرجعوا إلي بيوتهم ليصلوا، أو ليناموا نومًا ثم يقومون لصلاة يكونون بذلك متهجدين، فلما سألهم ما الذي أقعدهم؟ فأخبروه أنه ذِكْرُ الله، لم ينكر ذلك عليهم وقعد معهم؛ لأن ما كان يقيمهم له هو الذي هم قعود له.
فثبت بذلك أن السمر الذي في حديث أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله -عليه السلام- وعمر - رضي الله عنه - جَدَبا لهم هو الذي فيه قربة إلي الله -عز وجل- , والمنهي عنه في حديث أبي برزة هو الذي لا قربة فيه لتستوي معاني هذه الآثار فتتفق ولا تتضاد.