قال:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}(١) فجعل ما ملكت أيمانهن كذي الرحم المحرم فيهن قيل له: ما جعلهن كذلك ولكنه ذكر جماعة مستثنين من قوله -عز وجل-: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}(١) فذكر البعول وذكر الآباء ومن ذكر معهم مثل ما ذكره وما ملكت أيمانهم، فلم يكن جمعه بينهم بدليل على استواء أحكامهم، لأنا قد رأينا البعل قد يجوز له أن ينظر من امرأته إلى ما لا ينظر إليها أبوها منها.
ثم قال:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}(١) فلا يكون ضمه أولئك مع ما قبلهم بدليل أن حكمهم مثل حكمهم، ولكن الذي أبيح بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء إنما هو ما ظهر من الزينة وهو الوجه والكفّان، وفي إباحته ذلك للمملوكين وليسوا بذوي أرحام محرمة دليل على أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك، وقد بين هذا المعنى ما في حديث عبد بن زمعة من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسودة:"احتجبي منه" فأمرها بالحجاب منه وهو ابن وليدة أبيها، وليس يخلو أن يكون أخاها أو ابن وليدة أبيها فيكون مملوكًا لها ولسائر ورثة أبيها، فعلمنا أن النبي -عليه السلام- لم يحجبها منه؛ لأنه أخوها ولكن لأنه غير أخيها وهو في ذلك الحال مملوك فلم يحل له -بِرقِّهِ- النظر إليها، فقد ضاد هذا الحديث حديث أم سلمة وخالفه، وصارت الآية التي ذكرنا على قول هذا الذاهب إلى حديث سودة أنها على سائر النساء دون أمهات المؤمنين، وأن عبيد أمهات المؤمنين كانوا في حكم النظر إليهن في حكم الغرباء منهن الذين لا رحم بينهم وبينهن، لا في حكم ذوي الأرحام منهن المحرمة، فكل من كان بينهن وبينهم محرم فهو عندنا في حكم ذوي الأرحام منهن المحرمة في منع ما وصفنا.