ثم رجعنا إلى النظر لنستخرج به من القولين قولًا صحيحًا، فرأينا ذا الرحم لا بأس أن ينظر إلى المرأة التي هو لها محرم إلى وجهها وصدرها وشعرها وما دون ركبتيها، ورأينا القريب منها ينظر إلى وجهها وكفيها فقط، ثم رأينا العبد حرام عليه -في قولهم جميعًا- أن ينظر إلى صدر المرأة مكشوفًا أو إلى ساقيها، وسواء كان رِقُّه لها أو لغيرها، فلما كان فيما ذكرنا كالأجنبي منها لا كذي رحمها المحرم عليها؛ كان في النظر إلى شعرها أيضًا كالأجنبي لا كذي رحمها المحرم عليها.
فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-، وقد وافقهم في ذلك من المتقدمين الحسن والشعبي.
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا مغيرة عن الشعبي، ويونس عن الحسن:"أنهما كرها أن ينظر العبد إلى شعر مولاته".
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}(١). . . . الآية يدل على جواز نظر العبد إلى شعر مولاته؛ وذلك لأن الله تعالى قال:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}(١) ثم استثنى من ذلك البعولة والآباء ومن ذُكر معهم، وذكر في جملة ذلك {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}(١) فجعل ما ملكت أيمانهن كذي الرحم المحرم منهن.
وتقرير الجواب أن يقال: لا نُسَلِّم أنه جعل ما ملكت أيمانهن كذلك، بل ذكر جماعةً واستثناهم من قوله:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}(١). فذكر البعولة وهو جمع بعل وهو الزوج، وكذلك ذكر الآباء وجماعة معهم قبل ذكر قوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}(١) وليس جمعه إياهم في الذكر دليلًا على استواء أحكامهم، ألا ترى أن البعل الذي هو الزوج قد يجوز له أن ينظر من إمرأته إلى ما لا يجوز له نظر أبيها إليه منها، يدل ذلك على أن الجمع بينهم في الذكر لا يدل على استواء الحكم.