للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين ذلك من وجهين:

الأول: يجوز أن يكون -عليه السلام- أراد بسلامه من كان المسلمين ولم يرد غيرهم من أهل الكفر.

والثاني: يجوز أن يكون قد سلم عليهم وأراد الجمع لأنه كان في ذلك الوقت مأمورًا بأن لا يجادلهم إلا بالتي هي أحسن، فكان السلام عليهم من الحسن ثم إن الله تعالى أمره بقتالهم ومنابذتهم، فنسخ ذلك [. .] (١) تقدم من سلامه عليهم، فيكون ما في حديث أسامة منسوخًا بالأحاديث المذكورة فافهم.

ص: فنظرنا في ذلك، فإذا ابن أبي داود قد حدثنا قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن أسامة بن زيد أخبره: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب على حمار، عليه إكاف على قطيفة، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن خزرج قبل وقعة بدر، فسار حتى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي بن سلول، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي بن سلول أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلم النبي -عليه السلام-، ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله -عز وجل- وقرأ القرآن قال عبد الله بن أبي بن سلول أيها المرء لا أحسن مما تقول إن كان حقًّا فلا تؤذينا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمَن جاءك فاقصص عليه، قال عبد الله بن رواحة: بل يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا؛ فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي -عليه السلام- يخفضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي -عليه السلام- دابته، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال له النبي -عليه السلام-: يا سعد، ألم تسمع إلى ما يقول أبو حباب، يعني ابن سلول؟ قال: كذا وكذا، قال سعد: يا رسول الله، اعف عنه واصفح، فوالذي نَزَّل عليك الكتاب، لقد جاءك الله بالحق الذي أُنزل عليك.


(١) طمس في "الأصل، ك".

<<  <  ج: ص:  >  >>