للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحرام، فيكون العائد في هبته عائدًا في أمر قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب، فلا يثبت بذلك منع الرجوع في الهبة.

فإذا ثبت هذان الاحتمالان رجعنا إلى الآثار هل نجد شيئًا منها يدل على تجريح أحد الاحتمالين؟ فوجدنا حديث ابن عباس قد صرح بأن المراد من العائد في قيئه هو الكلب العائد في قيئه، فصارت إحدى روايتي ابن عباس مفسرة للأخرى، فتعين حينئذ وجه الاحتمال الثاني وترجح، واندفع ما قاله أهل المقالة الأولى. هذا الذي ذكره الطحاوي، وقد يجاب عن ذلك بأن المراد منه التشبيه من حيث ظاهر القبح مروءة وخلقًا لا شرعًا، ألا ترى كيف قال: "كالكلب يقي ثم يعود فيه" وذا لا يوصف بالحرمة الشرعية، لكنه يوصف بالقبح الطبيعي، وكذا أجيب عن قوله -عليه السلام- في الحديث الآخر: "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته. . . ." الحديث.

أن المراد منه نفي الحل من حيث المروءة والخلق لا من حيث الحكم، لأن نفي الحل يحتمل ذلك، قال الله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (١) قيل في بعض التأويلات: لا يحل لك من حيث المروءة والخلق أن تتزوج عليهن بعدما اخترن إياك والدار الآخرة على الدنيا وما فيها من الزينة، لا من حيث الحكم إذ كان يحل له التزوج بغيرهن.

ثم إنه أخرج حديث ابن عباس من طريقين صحيحين:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن عبد الله بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي -عليه السلام-.

وأخرجه البخاري (٢): عن عبد الرحمن بن المبارك، عن عبد الوارث، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي -عليه السلام- نحوه.


(١) سورة الأحزاب، آية: [٥٢].
(٢) "صحيح البخاري" (٢/ ٩٢٤ رقم ٢٤٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>