وقد يجوز أن يكون أراد الكلب العائد في قيئه، والكلب غير متعبد بتحريم ولا تحليل فيكون العائد في هبته عائدًا في قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب فلا يثبت بذلك منع الواهب من الرجوع في الهبة.
فنظرنا: هل نجد من الآثار ما يدل على مراد رسول الله -عليه السلام- في الحديث الأول ما هو؟
فإذا فهد قد حدثنا، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي -عليه السلام- قال:"ليس لنا مثل السَّوْء؛ الراجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه".
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي -عليه السلام- قال:"العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود فيه".
فدل هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- إنما أراد بما قد ذكرناه في الحديث الأول تنزيه أمته عن أمثال الكلاب لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم.
ش: أي: وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية، وهذا جواب عن الحديث الذي احتج به أهل المقالة الأولى من ظاهر حديث ابن عباس.
تقرير ذلك أن يقال: إن النبي -عليه السلام- شبه العائد في هبته كالعائد في قيئه، ولكنه لم يبين العائد في قيئه من هو، لأنه أطلقه وهو في نفسه مجمل، ثم إنه يحتمل أن يكون المراد به الرجل العائد في قيئه، فعل هذا الاحتمال يثبت ما قاله أهل المقالة الأولى؛ لأنه حينئذ يكون التشبيه بالعائد فيما هو حرام عليه فيثبت بذلك منع الرجوع في الهبة.
ويحتمل أن يكون المراد به الكلب العائد في قيئه أو نحوه من أمثاله فعلى هذا الاحتمال لا يثبت ما قاله أهل المقالة الأولى ولا يرد ما قاله أهل المقالة الثانية؛ وذلك لأنه حينئذ يكون التشبيه بالكلب العائد في قيئه، والكلب غير متعبد بالحلال