لأحد ممن ذكرنا فيما وهب، ومن وهب لأجنبي أو لمولى أو لذي رحم غير محرمة هبة وأقبضه إياها فللواهب أن يرجع فيما وهب متى شاء، وإن طالت المدة ما لم تزد الهبة في بدنها أو ما لم يخرجها الموهوب له عن ملكه، أو ما لم يمت الواهب أو الموهوب له، أو ما لم يُعَوِّض الموهوب له أو غيره عنه الواهب عوضًا يقبله الواهب، فأي هذه الأسباب كان، فلا رجوع للواهب فيما وهب، ولا يجوز الرجوع في الهبة إذا لم يكن شيء مما ذكرنا إلا بتسليم الموهوب ذلك أو بحضرة الحاكم، أحب الموهوب له أم كره، قال: فلو وهب آخر جارية فعلمها الموهوب له القرآن أو الكتابة والخَبْزُ فليس ذلك بمانع من رجوع الواهب فيها. وإن كان عليها دين فأداه الموهوب له عنها، أو كانت كافرة فأسلمت فلا رجوع فيها للواهب.
وأما الصدقة فلا رجوع للمتصدق فيها لأجنبي كانت أو لغير أجنبي بخلاف الهبة.
وقال مالك: لا رجوع لواهب ولا لمتصدق في هبته أصلًا لا لأجنبي ولا لذي رحم محرمة إلا في هبة الثواب فقط، وفيما وهب الرجل لولده أو ابنته الكبيرين أو الصغيرين ما لم يقل: إنه وهبها لولده لوجه الله تعالى، فإن قال هذا؛ فلا رجوع فيما وهب.
فإن لم يقله فله الرجوع فيما وهب ما لم يداين الولد على تلك الهبة، أو ما لم يتزوج الابن أو الابنة عليها، أو ما لم يثب الابن أو الابنة أباهما على ذلك، فأي هذه الوجوه كان فقد بطل رجوع الأب في الهبة، وترجع الأم كذلك فيما وهبت لولدها الكبار كان أبوهم حيًّا أو لم يكن.
ص: وكان من الحجة لهم في ذلك "أن رسول الله -عليه السلام- جعل العائد في هبته كالعائد في قيئه، ولم يبين لنأمل مَنْ العائد في قيئه، فقد يجوز أن يكون أراد الرجل العائد في قيئه فيكون قد جعل العائد في هبته كالعائد فيما هو حرام عليه، فثبت بذلك ما قال أهل المقالة الأولى.