فقال أبو يوسف: يسوى فيها بين الذكر والأنثى. وقال محمَّد بن الحسن: بل يجعلها بينهم على قدر الوارث للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال أبو جعفر -رحمه الله-: وفي قول النبي -عليه السلام-: "سَوُّوا بينهم في العطية كما تحبون أن يسووا لكم في البر" دليل على أنه أراد التسوية بين الإناث والذكور؛ لأنه لا يراد من البنت شيء من البر إلا والذي يراد من الابن مثله. فلما كان النبي -عليه السلام- أراد من الأب لولده ما يريد من ولده له، وكان ما يريد من الأنثى من البر مثل ما يريد من الذكر، كان ما أراد منه لهم في العطية للأنثى مثل ما أراد للذكر، وفي حديث أبي الضحى:"فقال النبي -عليه السلام-: ألك ولد غيره؟ فقال: نعم، فقال: ألا سويت بينهم" ولم يقل: ألك ولد غيره ذكرًا أو أنثى؛ فذلك لا يكون إلا وحكم الأنثى فيه كحكم الذكر، ولولا ذلك لما ذكر التسوية إلا بعد علمه أنهم ذكور كلهم، فلما أمسك عن البحث عن ذلك ثبت استواء حكمهم في ذلك عنده، فهذا أحسن عندنا مما قال محمَّد -رحمه الله-.
ش: أراد بقوله: "أصحابنا أصحاب أبي حنيفة، ونبه أيضًا على أنه اختار قول أبي يوسف في عطية الرجل أولاده، وهو أن يسوي بينهم ولا يخص الذكر بشيء على أنثى، وهو مذهب الثوري وعبد الله بن المبارك أيضًا، وأشار إلى الحجة في ذلك بقوله ومن "قول النبي -عليه السلام-" وهو ظاهر.
ص: وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك أيضًا:
حدثنا أحمد بن أبي داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: ثنا عبد الله ابن معاذ، عن معمر، عن الزهري، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان مع رسول الله -عليه السلام- رجل، فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، ثم جاءت ابنة له فأجلسها إلى جنبه، فقال: فهلا عدلت بينهما".
أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- قد أراد منه التعديل بين الابنة والابن، وأن لا يفضل أحدهما على الآخر، فذلك دليل على ما ذكرنا في العطية أيضًا، والله أعلم.
ش: أي قد روي عن النبي -عليه السلام- ما يدل على ما ذكرنا من ثبوت استواء الحكم في العطية للأولاد، وقد ذكر هذا تأييدًا لما قاله أبو يوسف، وذهب إليه.