الأول: فيه أن الوقف مشروع؛ خلافًا لمن يبطله جملة، وهو قول شريح، ولا خلاف بين الجمهور في جواز الوقف في حق وجوب التصدق بالفرع ما دام الواقف حيًّا حتى إن من وقف داره أو أرضه يلزمه التصدق بغلة الدار والأرض، ويكون ذلك بمنزلة النذر بالتصدق بالغلة.
ولا خلاف أيضًا في جوازه في حق زوال ملك الرقبة إذا اتصل به قضاء القاضي، أو أضافه إلى ما بعد الموت بأن قال: إذا مُتُّ، فقد جعلت داري أو أرضي وقفًا على كذا، أو قال: هو وقف في حياتي صدقة بعد وفاتي.
واختلفوا في جوازه مزيلًا لملك الرقبة إذا لم توجد الإضافة إلى ما بعد الموت، ولا اتصل به حكم حاكم، فقال أبو حنيفة: لا يجوز حتى كان للواقف بيع الموقوف وهبته، وإذا مات يصير ميراثًا لورثته.
وقال أبو يوسف ومحمد وعامة العلماء: يجوز حتى لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ثم في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة لا فرق بينهما إذا وقف في حالة المرض حتى لا يجوز عنده في الحالين جميعًا إذا لم توجد الإضافة ولا حكم الحاكم، وروى الطحاوي عنه أنه إذا وقف في حالة المرض جاز عنده ويعتبر من الثلث، ويكون بمنزلة الوصية بعد وفاته، وأما عندهما فهو جائز في الصحة والمرض، وعلى هذا الخلاف إذا بنى رباطًا أو خانًا للمسافرين أو سقاية للمسلمين، أو جعل أرضه مقبرة، لا تزول رقبة هذه الأشياء عن ملكه عند أبي حنيفة إلا إذا أضاف إلى ما بعد الموت أو حكم به حاكم وعندهما يزول بدون ذلك، لكن عند أبي يوسف بنفس القول وعند محمَّد بواسطة التسليم، وذلك تسليم المسافرين في الرباط والخان واستسقاء الناس في السقاية والدفن في المقبرة، وأجمعوا على أن من جعل داره أو أرضه مسجدًا يجوز، وتزول الرقبة عن ملكه، لكن عزل الطريق وإفرازه والإذن للناس بالصلاة فيه والصلاة شرط عند أبي حنيفة ومحمد حتى كان له أن يرجع قبل