ذلك، وعند أبي يوسف تزول الرقبة عن ملكه بنفس قوله: جعلته مسجدًا وليس له أن يرجع عنه.
الثاني: احتج به الجمهور وأبو يوسف ومحمد على ما ذهبوا إليه، وقد ذكرناه مفصلًا.
الثالث: فيه أن الوقف لا يجوز بيعه ولا هبته ولا يصير ميراثًا؛ لأنه صار لله تعالى وخرج عن ملك الواقف، واختلفوا: هل يدخل في ملك الموقوف عليه أم لا؟
فقال أصحابنا: لا يدخل، لكنه ينتفع بغلته بالتصدق عليه؛ لأن الوقف حبس الأصل وتصدق بالفرع، والحبس لا يوجب ملك المحبوس كالرهن، وعن الشافعي ومالك وأحمد: ينتقل إلى ملك الموقوف عليه لو كان أهلًا له، وعن الشافعي في قول: ينتقل إلى الله تعالى. وهو رواية عن أصحابنا، وعن الشافعي أن الملك في رقبة الوقف لله تعالى، وذكر صاحب "التحرير" أنه إذا كان الوقف على شخص، وقلنا الملك للموقوف عليه افتقر إلى قبضه كالهبة، وقال النووي في "الروضة": هذا غلط ظاهر.
الرابع: فيه أن الوقف يجوز بلفظ: حبست، بل الأصل هذه اللفظة؛ لأن الوقف في اللغة الحبس.
وفي "الروضة": لا يصح الوقف إلا بلفظ، فلو بنى على هيئة المساجد أو على غير هيئتها وأذن في الصلاة فيه لم يصر مسجدًا وألفاظه على مراتب:
إحداها: قوله: وقفت كذا أو حبست أو سبَّلت، أو أرضي موقوفة، أو محبسة أو مسبلة، فكل لفظ من هذا صريح، هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي وجهٍ: هذا كله كناية، وفي وجه: الوقف صريح والباقي كناية.
الثانية: قوله: حرمت هذه البقعة للمساكين أو أَبَّدْتُها، أو داري محرمة، أو مؤيدة، كناية على المذهب.