الثالثة: تصدقت بهذه البقعة، ليس بصريح فإن زاد معه صدقة محرمة أو محبسة أو موقوفة؛ التحق بالصريح، وقيل: لابد من التقييد بأنها لا تباع ولا توهب، وقال الحنابلة: يصح الوقف بالقول، وفي الفعل الدال عليه روايتان، وألفاظه الصريحة: وقفت وحبست وسلبت، والكناية: تصدقت وحرمت وأبدت، وتحتاج الكناية إلى نية أو زيادة حكم الوقف، وإن كان على -أو من- معيَّن افتقر إلى قبول، كالوصية والهبة.
وقال القاضي: منهم لا يفتقر إلى قبوله كالعتق.
الخامس: فيه أن قيم الوقف له أن يتناول من غلة الوقف بالمعروف، ولا يأخذ أكثر من حاجته، هذا إذا لم يعين الواقف له شيئًا معينًا، فإذا عَيَّنَهُ، له أن يأخذ ذلك قليلًا أو كثيرًا. والله أعلم.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا وقف داره على ولده وولد ولده ثم من بعدهم في سبيل الله أن ذلك جائز، وأنها خرجت بذلك من ملكه إلى الله -عز وجل-، ولا سبيل له بعد ذلك إلى بيعها، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، وممن قال ذلك: أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وهو قول أهل المدينة والبصرة.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: جماهير العلماء من التابعين ومن بعدهم، منهم: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر.
وممن قال بقولهم: أبو يوسف ومحمد، وروي ذلك عن عثمان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وخالد بن الوليد - رضي الله عنهم -.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، منهم: أبو حنيفة وزفر بن الهذيل فقالوا: هذا كله ميراث لا يخرج من ملك الذي أوقفه بهذا السبب.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: شريحًا وعطاء بن السائب وأبا بكر بن محمَّد وأبا حنيفة وزفر؛ فإنهم قالوا: الوقف غير لازم، وهو ميراث لا يخرج عن ملك الواقف.