ص: وكان من الحجة لهم في ذلك، أن رسول الله -عليه السلام- لما شاوره عمر - رضي الله عنه - في ذلك، قال له:"حَبِّس أصلها وَسبِّل الثمرة" فقد يجوز أن يكون ما أمره به من ذلك تخرج به من ملكه، ويجوز أن يكون ذلك لا يخرجها من ملكه ولكنها تكون جارية على ما أجراها عليه من ذلك ما تركها، ويكون له فسخ ذلك متى شاء، كرجل جعل لله عليه أن يتصدق بثمرة نخله ما عاش، فيقال له: أنفذ ذلك ولا يجبر عليه، ولا يؤخذ به إن شاء وإن أبى، ولكن إن أنفذ ذلك فحسن فإن منعه لم يجبر عليه وكذلك ورثته من بعده إن أنفذوا ذلك على ما كان أبوهم أجراه عليه فحسن، وإن منعوه ذلك كان ذلك لهم وليس في بقاء حبس عمر - رضي الله عنه - إلى غايتنا هذه مما يدل على أنه لم يكن لأحد من أهلهم نقضه فإنما الذي يدل على أنه ليس لهم نقضه لو كانوا خاصموا فيه بعد موته فمنعوا من ذلك، فلو كان ذلك لكان فيه لعمري ما يدل على أن الأوقاف لا تباع ولكن إنما جاء في تركهم لوقف عمر - رضي الله عنه - يجرى على ما كان عمر أجراه عليه في حياته ولم يبلغنا أن أحدًا منهم عرض فيه بشيء.
ش: أي وكان من الدليل والبرهان لهؤلاء الآخرين فيما ذهبوا إليه؛ وأراد به: أن الذي احتج به أهل المقالة الأولى من قضية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في لزوم الوقف غير تام، وبين ذلك بقوله: فقد يجوز أن تكون. . . . إلى آخره وهو ظاهر.
قوله:"لَعَمْرِي" بفتح اللام، وهو قسم في محل الرفع على الابتداء، وخبره محذوف تقديره لعمري قسمي أو ما أقسم به، وكذلك لعمرك قسمي.
ص: وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - ما يدل على أنه قد كان له نقضه.
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن زياد بن سعد، عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:"لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله -عليه السلام-أو نحو هذا- لرددتها".
فلما قال عمر - رضي الله عنه - هذا، دل أن نفس الإيقاف للأرض لم يكن يمنعه من الرجوع فيها وأنه إنما منعه من الرجوع فيها أن رسول الله -عليه السلام- أمره فيها بشيء وفارقه