للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الوفاء به، فكره أن يرجع عن ذلك كما كره عبد الله بن عمرو أن يرجع بعد موت رسول الله عن الصوم الذي كان فارقه عليه أنه يفعله، وقد كان له أن لا يصوم.

ش: ذكر هذا شاهدًا لما قاله من الكلام فيما تقدم.

وأخرجه بإسناد صحيح مرسل: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن زياد بن سعد، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري. . . . إلى آخره.

فإن قلت: قال ابن حزم: الخبر الذي ذكروه عن مالك منكر وبليَّة من البلايا، وكذب بلا شك، وما ندري من رواه عن يونس، ولا هو معروف من حديث مالك وَهَبْكَ لو سمعناه من الزهري لما وجب أن نتشاغل به، ولقطعنا بأنه سمعه ممن لا خير فيه كسليمان ابن أرقم وضربائه، ونحن نثبت ونقطع بأن عمر - رضي الله عنه - لم يندم على قبوله أمر رسول الله -عليه السلام- وما اختاره له من حبس أرضه وتسبيل ثمرتها، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (١) وليت شعري إلى أي شيء كان يصرف عمر تلك الصدقة لو ترك ما أمره -عليه السلام- فيها؟! حاشى لعمر من هذا.

قلت: هذا تهافت عظيم وكيف يكون هذا كذبًا ورواته من رجال الصحيح؟ وكيف لا يكون معروفًا من حديث مالك وقد روى عنه مثل عبد الله بن وهب، وروى عن عبد الله مثل يونس بن عبد الأعلى أحد مشايخ مسلم في "صحيحه"، وقد روى عن يونس مثل الطحاوي الإِمام؟!

قوله: "ونقطع بأن عمر لم يندم. . . ." إلى آخره. كلام صادر من غير رويّ لأنه ما ادعى أحد أن عمر - رضي الله عنه - ندم لأجل أمر رسول الله -عليه السلام- إياه بالصدقة والتحبيس، وإنما كان تدارك لنفسه ما صدر منه من ذكره صدقته لرسول الله -عليه السلام-؛ لأنه بعد ذكره له


(١) سورة الأحزاب، آية: [٣٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>