للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن له رجوع عمَّا فارقه عليه، وذلك كما أن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - كره أن يرجع عن الصوم الذي فارق رسول الله -عليه السلام- عليه ومع هذا كان له أن لا يصوم، وهو صوم ثلاثة أيام من كل شهر.

ص: ثم هذا شريح - رضي الله عنه - وهو قاضي عمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - قد روي عنه في ذلك ما حدثنا سليمان بن شعيب، عن أبيه، عن أبي يوسف، عن عطاء بن السائب قال: "سألت شريحًا عن رجل جعل داره حبسًا على الآخر فالآخر من ولده فقال: إنما أقضي ولست أفتي، قال: فناشدته فقال: لا حبس عن فرائض الله".

فهذا لا يسع القضاة جهله، ولا يسع الأئمة تقليد من يجهل مثله، ثم لا ينكر عليه منكر من أصحاب رسول الله -عليه السلام- ولا من تابعيهم.

ش: ذكر هذا أيضًا تأييدًا لصحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.

وأخرجه بإسناد صحيح.

وأخرجه البيهقي في "سننه" (١) بأتم منه من حديث الحميدي: ثنا سفيان، ثنا عطاء بن السائب، قال: "أتيت شريحًا في زمن بشر بن مروان، فقلت: يا أبا أمية أفتني، فقال: يا ابن أخي إنما أنا أقضي ولست بمفت، قلت: إني والله ما جئت أريد خصومة، إن رجلًا من الحي جعل داره حبسًا، قال عطاء: فدخل من الباب الذي في المسجد في المقصورة فسمعته حين دخل وتبعته وهو يقول: فحسب الرجل تقدم إليه الخصومة، أجب الرجل، إنه لا حبس عن فرائض الله".

قوله: "لا حبس عن فرائض الله" أراد أنه لا يوقف مال ولا يزول عن ورثته ولا يمنع عن القسمة بينهم، والحبس بضم الحاء وفتحها، فبالضم الاسم، وبالفتح المصدر، يقال: حَبَسْتُ أَحبْسُ حَبْسًا وأَحْبَسْت أَحْبِسُ إحْبَاسًا، أي وقفت.


(١) "سنن البيهقي الكبرى" (٦/ ١٦٢ رقم ١١٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>