فإن قيل: قال ابن حزم: قوله: لا حبس عن فرائض الله قول فاسد؛ لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة والصدقة في الحياة، والوصية بعد الموت، وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة.
قلت: لا نسلم أن هذه الأشياء تسقط فرائض الورثة، أما الهبة والصدقة فإنهما تكونان في حياة الرجل ففي ذلك الوقت لا فرائض للورثة، فكيف تسقطها؟.
وأما الوصية فإنها لا تنفذ إلا في الثلث، ففرائض الورثة في الثلثين؛ فافهم، بخلاف الحبس فإنه إذا حبس ماله ومات، فلو فرضنا لزوم هذا الحبس لكان قد أسقط فرائض الورثة.
ص: ثم قد روي عن ابن عباس عن النبي -عليه السلام- في ذلك أيضًا ما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا أخي عيسى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"سمعت رسول الله -عليه السلام-بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض- نهى عن الحبس".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير وعمرو بن خالد، قالا: ثنا عبد الله بن لهيعة. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا عبد الرحمن بن الجارود، قال: ثنا ابن أبي مريم، عن ابن لهيعة. . . . فذكر بإسناده مثله.
حدثنا روح ومحمد بن خزيمة، قالا: قال لنا أحمد بن صالح: هذا حديث صحيح وبه أقول.
قال روح: قال لي أحمد: وحدثنيه الدمشقي -يعني عبد الله بن يوسف- عن ابن لهيعة.
فأخبر ابن عباس أن الأحباس منهي عنها غيره جائزة ولذا قد كانت قبل نزول الفرائض بخلاف ما صارت عليه بعد نزول الفرائض؛ فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.