وكان الواقف إذا وقف في مرضه داره أو أرضه وجعل آخرها في سبيل الله كان ذلك جائزًا باتفاقهم من ثلث ماله بعد وفاته، لا سبيل لوارثه عليه، وليس ذلك بداخل في قول النبي -عليه السلام-: "لا حبس عن فرائض الله".
فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك سبيله إذا وقف في الصحة، فيكون نافذًا من جميع المال ولا يكون له عليه سبيل بعد ذلك. قياسًا ونظرًا على ما ذكرنا.
وإلى هذا أذهب وبه أقول من طريق النظر لا من طريق الآثار؛ لأن الآثار في ذلك قد تقدم وصفي لها وبيان معانيها وكشف وجوهها.
ش: أي وأما وجه هذا الباب من طريق النظر والقياس. . . . إلى آخره وهو ظاهر.
قوله:"على أحد القولين" أراد بهما قول أهل المقالة الأولى وقول أهل المقالة الثانية.
ص: فإن قال قائل: أفتخرج الأرض بالوقف من ملك ربها بوقفه إياها لا إلى ملك مالك؟
قيل له: وما تنكر من هذا وقد اتفقت أنت وخصمك على الأرض يجعلها صاحبها مسجدًا للمسلمين، ويخلي بينها وبينهم؛ أنها قد خرجت بذلك من ملكه لا إلى ملك مالك، ولكن إلى الله -عز وجل-، فالذي يلزم مخالفك فيما احتججت عليه بما وصفنا يلزمك من هذا مثله.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن الوقف إذا صح يخرج من ملك الواقف بلا خلاف، ولكن هل يدخل في ملك الموقوف عليه أم يصير إلى ملك مالك، وهو معنى قوله: أفتخرج الأرض -بهمزة الاستفهام- وعند الشافعي وأحمد وآخرين: ينتقل إلى ملك الموقوف عليه وإلا يلزم أن يكون ملكًا بلا مالك.
وأشار إلى الجواب عن ذلك بقوله:"قيل له" أي لهذا القائل: "وما تنكر من هذا" أي من خروج الوقف عن ملك الواقف لا إلى ملك مالك، وبَيَّنَ صورة ذلك ونظيره بأرض يجعلها صاحبها مسجدًا ليصلي فيه المسلمون، فإن تلك الأرض تخرج بذلك