للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أوقاف الصحابة - رضي الله عنهم - بعد موته فاحتمل أن ورثتهم أمضوها بالإجازة، هذا هو الظاهر، والله أعلم.

وأما قوله: "ولو صح هذا الخبر لكان منسوخًا" فغير صحيح أيضًا؛ لأنه مجرد دعوى، والنسخ لا يثبت إلا بدليل، ولم يبين دليله في ذلك ولا الناسخ ما هو، فَخَلُص الحديث حينئذ عما ذكره، وصح على ما قاله أحمد بن صالح المصري على ما ذكرنا، ولئن سلمنا أنه ضعيف على ما ذهب إليه الأكثرون، ولكن لا نسلم أنه موضوع لما ذكرنا، والضعيف يصلح للاستشهاد والمتابعة، فإنه لما روى هذا الحديث عن شريح بطرق صحيحة رواه أيضًا عن ابن عباس مرفوعًا مسندًا تأييدًا لذلك وتأكيدًا لصحته، على أنه يفهم من كلمته أيضًا أنه يذهب مذهب أحمد بن صالح في هذا الحديث.

ص: وأما وجهه من طريق النظر فإن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وزفر -رحمهم الله- وجميع المخالفين لهم والموافقين قد اتفقوا أن الرجل إذا وقف داره في مرضه على الفقراء والمساكين ثم توفي في مرضه ذلك، أن ذلك جائز من ثلثه، وأنها غير موروثة عنه، فاعتبرنا ذلك هل يدل على أحد القولين؟

وكان الرجل إذا جعل شيئًا من ماله من دنانير أو دراهم صدقة فلم ينفذ ذلك حتى مات أنه ميراث، وسواء جعل ذلك في مرضه أو في صحته، إلا أن يجعل ذلك وصية بعد موته فينفذ ذلك بعد موته من ثلث ماله كما تنفذ الوصايا.

فأما إذا جعله في مرضه ولم ينفذه للمساكين بدفعه إياه إليهم فهو كما جعله في صحته وكان جميع ما يفعله في صحته فينفذ من جميع ماله ولا يكون له عليه بعد ذلك ملك، مثل العتاق والهبات والصدقات هو الذي ينفذ إذا فعله في مرضه من ثلث مال.


= قلت: والحديث متفق عليه من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، بلفظ: "لا نورث، ما تركنا صدقة" بدون لفظ: "إنا معشر الأنبياء" البخاري (٣/ ١١٢٦ رقم ٢٩٢٦)، ومسلم (٣/ ١٣٨٠ رقم ١٧٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>