للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحملهم رسول الله -عليه السلام- على الحق في ذلك، فجعل الدية سواء، ومعلوم أن بني قريظة والنضير لم يكن لهم ذمة قط، وإنما كان بينه وبينهم عهد وهدنة فنقضوها فأخبر ابن عباس أن آية التخيير نزلت فيهم، فجائز أن يكون حكمها باقيًا في أهل الحرب من أهل العهد وحكم الآية الآخرى في وجوب الحكم في وجوب الحكم بينهم بما أنزل الله ثابتًا في أهل الذمة، فلا يكون فيها نسخ.

قال الجصاص: هذا تأويل سائغ لولا ما روي من السلف من نسخ التخيير بالآية الأخرى.

قوله: "ولم يكن له" أي للإمام "تركه" أي ترك الحكم، والباقي ظاهر.

ص: فإن قال قائل: فأنتم لا ترجمون اليهود إذا زنوا، فقد تركتم بعض ما في الحديث الذي به احتججتم!.

قيل له: إن الحكم كان في الزناة في عهد موسى -عليه السلام- هو الرجم على المحصن وغير المحصن، وكذلك كان جواب اليهودي الذي سأله رسول الله -عليه السلام- عن حد الزنا في كتابهم، فلم ينكر ذلك عليه رسول الله -عليه السلام-، فكان على النبي -عليه السلام- اتباع ذلك والعمل به؛ لأن على كل نبي اتباع شريعة النبي الذي كان قبله حتي يحدث الله شريعة تنسخ شريعته، قال الله -عز وجل-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (١)، فرجم رسول الله -عليه السلام- اليهوديين على ذلك الحكم ولا فرق حينئذ في ذلك بين المحصن وغير المحصن، ثم أحدث الله -عز وجل- لنبيه -عليه السلام- شريعة نسخت هذه الشريعة فقال: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (٢) فكان هذا ناسخًا لما كان قبله، ولم يفرق في ذلك أيضًا بين المحصن وغير المحصن، ثم نسخ الله -عز وجل- ذلك فجعل الحد هو الأذى بالآية التي بعدها ولم يفرق في


(١) سورة الأنعام، آية: [٩٠].
(٢) سورة النساء، آية: [١٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>