للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: يجوز أن يكون رآه ثم نسيه.

قلت: يجوز أن يكون قد وهم في أول الأمر وروى ما لم يكن سمعه، وقد علمنا أن آخر أمره كان جحوده؛ وفقد العلم به، فهو أولى.

وأما حديث زيد بن ثابت؛ فمنكر أيضًا، وقد استوفينا الكلام فيه فيما مضى.

وأما حديث جابر فإنه معلول أيضًا؛ لأن عبد الوهاب هو الذي أوصله وأسنده، وخالف فيه الحافظ مثل مالك والثوري وابن عيينة وعمرو بن دينار والحكم بن عتيبة، فإنهم رووه مرسلًا، والخصم لا يحتج بعبد الوهاب في ما يخالف فيه الثوري وأضرابه، على أن ابن معين قال: اختلط عبد الوهاب في آخر عمره.

وقال ابن سعد: هو ثقة، وفيه ضعف. وقال ابن مهدي: أربعة كانوا يحدثون من كتب الناس ولا يحفظون ذلك الحفظ، فذكر منهم عبد الوهاب.

وقال ابن عبد البر: إرساله أشهر، ورواه الترمذي من حديث عبد الوهاب موصولًا، ثم أخرجه من حديث إسماعيل بن جعفر، عن جعفر، عن أبيه مرسلًا، ثم قال: وهذا أصح.

وكذا روى الثوري عن جعفر عن أبيه مرسلًا. ولهذا ذكر البيهقي في كتاب "المعرفة" أن الشافعي لم يحتج بهذا الحديث في هذه المسألة؛ لذهاب بعض الحفاظ إلى كونه غلطًا.

ص: ثم لو لم ينازع في طريق هذا الحديث، وسلمت على هذه الألفاظ التي قد رويت عليها، لكانت محتملة للتأويل الذي لا يقوم لكم بمثلها حجة معه؛ وذلك أنكم إنما رويتم أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد الواحد، ولم يُبَيِّن في هذا الحديث كما كان ذلك السبب، ولا المستحلف من هو؛ فقد يجوز أن يكون ذلك على ما ذكرتم، ويجوز أن يكون أريد به يمين المدعى عليه، ادعى المدعي ولم يقم على دعواه إلا شاهدًا واحدًا، فاستحلف له النبي -عليه السلام- المدعى عليه فروى ذلك ليعلم الناس أن المدعي لا يجب له اليمين على المدعى عليه إلا بحجةٍ أخرى غير الدعوى

<<  <  ج: ص:  >  >>